هناك شروط يجب أن تتوفر في الفتى الداعشي، ليكون داعشيا صالحا أهمها أن يكون جاهلا وفاشلا في حياته ومغفلا كامل التغفيل، وكلما زاد تغفيله، وتمكنت منه البلاهة والغباء والبلادة، حَسُنت داعشيته، وتعلق بشيخه وآمن بما يقول، وصار له أطوع من الكلب لصاحبه. ومن الشروط - أيضاً - ألا يُكثر من استعمال عقله وقياساته في الصحيح وغير الصحيح من النقولات والأدلة والشواهد التي يستدل بها شيخه، فإذا كان بعض متشددي السلف يقولون (من تمنطق فقد تزندق)، فالدواعش يُضيفون: (بل من فكر كفر)؛ فتجد الفتى الداعشي يقبل ما يسمعه ويُسلم به تسليما مطلقا لا تعتريه اية شكوك. ومن شروطه أيضا أن يكون شبِقَا جنسيا، تُسيطر عليه النزعة الجنسية البهيمية، وتتحكم في سلوكياته، حتى تستعبده، فيكون لقاء (الحور العين) في الجنة همه وحلمه وغاية مناه لكي يفجر نفسه وينتحر دون أي تردد بمجرد أن تصدر له الأوامر بالانتحار وإلقاء نفسه إلى التهلكة. وتكتمل الشروط ليصبح داعشا نموذجيا أن تتملكه حدة ناتجة من اضطراب نفسي في الشخصية، ويؤمن بالخرافات والاساطير علاجا جذريا لأي عرض مرضي يتعرض له؛ ويكره الحياة كراهية الإنسان السوي للموت، ويعشق الموت، ويجد فيه فرجا وحلا جذريا من معاناته الحياتية. فإذا تحققت في الفتى هذه الشروط، وتمكنت منه تمكنا كاملا، يصبح مسلما داعشيا جاهزا للقتل والتفجير وإراقة الدماء، كما يصبح الاستشهاد - (الانتحار) - وقتل نفسه وقتل من يختلف معه، مسلما كان أو غير مسلم، هي منتهى أمله وطموحاته، وشرط الضرورة للقاء الحور العين في الجنة. والدواعش فئتان: فئة القادة والمنظرين ومشايخهم والفئة الثانية المنفذون مسلوبو الإرادة الذين هم لدى القادة والمنظرين كالخراف التي تفجر الألغام في الحقول الملغومة، فيستخدمونها كي تشق الطريق الآمن لهم ولغاياتهم السياسية ليس إلا. أما القادة والمنظرون والمشايخ، فهم أحرص الدواعش على حياتهم، ويمعنون في الحذر وفي التخفي؛ ولا تجد فيهم شجاعة الفتيان الدواعش المنفذين للعمليات الانتحارية. فالخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي - مثلا - لا يصل إليه إلا القلة القليلة، وإذا أراد الاجتماع بأحد من بطانته، يخضع من يريد لقاءه لإجراءات أمنية، غاية في الحيطة والحذر، ولا يلتقي بغير خاصة الخاصة إلا في الليل، خوفا من أن تتبعه الأقمار الصناعية، ويسهل قصفه وقصف مخبئه، كما يعصبون عيني من يريد لقاءه ولا يكشفونها إلا وهو داخل مخبأ خليفتهم الجبان. وفقه الدواعش لا يحتمل الخلاف، وليس في قاموسهم الفقهي إلا حكمان: إما حلال أو حرام؛ أما غيرها من الأحكام التكليفية الفقهية الأخرى، فليس لها في قاموسهم أي وجود. كما أنهم لا يعترفون بالمسائل الخلافية، ولا يعيرونها أي اهتمام، فالحكم بالحلال له اتجاه واحد وهو ما يقول به مفتيهم، والحرام كذلك له ذات الصفة، فما يقول به المفتي الداعشي، هو الإسلام، وما يحرمه فلا علاقة له بالإسلام. ولكي نسمي الأمور بمسمياتها، فإن بعض ممارسات الدواعش الفقهية، تجد لها حظوة لدى بعض متشددينا، خاصة من فئة (السلفيين المتأخونين)، فهم رغم أنه يسفهون فقه الدواعش فهم يقولون بنفس أقوالهم ويسلكون في استنتاجاتهم ذات المسلك؛ ففي رأيي أن كل من يقول بجواز الانتحار، ويتحايل على تحريمه المطلق، الذي لا خلاف عليه بين مذاهب الإسلام قاطبة، كما يقول تاريخ الشريعة، قبل جماعة الإخوان، هو في تقديري داعشي، فلا يمكن لطويلب علم ناهيك عن عالم شرعي، يقرأ قوله جل شأنه (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، ويقول: (بل اقتلوا أنفسكم، ودعوا هذه الآية حتى وإن كانت مُحكمة)، إلا ويكون فيه (شيء من الدعشنة)؛ كما أن من لا يعترف بالخلاف بين المذاهب، وأنه لا يجوز أن تحمل الناس بالقوة على أحكام مذهب معين طالما أن الأمر محل خلاف، إلا ويكون فيه - أيضاً - شيء من الدعشنة. وأنا مقتنع قناعة كاملة، أن فرقة الدواعش مصيرها إلى الفناء قطعاً، بل وعلى يقين - أيضاً - أن نهايتها ستكون نهاية لأنصاف الدواعش، أو من يسمونهم بعض الساخرين (الدواعش نصف المجنزرة) ممن يوافقونهم في جزء مما يذهبون إليه، الذين أشرت إليهم آنفاً. هذا مآلهم الحتمي طال الزمان أو قصر. إلى اللقاء.