من يصدّق أن اليونان، هذه الحضارة العريقة التي تعتبر أول من وضع أسس الديمقراطية والحضارة المدنية، تزاحم السودان والصومال وزيمبابوي ضمن الدول المتخلفة عن سداد الديون للبنك الدولي؟ من يصدّق أن أساتذة الإنسانية، وفلاسفة العقل، سقراط وإفلاطون وأرسطو لم يملكوا عقلاً يستطيع إنقاذ البلاد اقتصادياً، وأخذها إلى بر الأمان؟ من يصدّق أن أحفاد فيثاغورس عالم الرياضيات العظيم، يقفون في طوابير أمام أجهزة الصرف الآلية، التي لا تمنح الواحد منهم أكثر من ستين يورو يومياً؟ من يصدّق أن أحفاد يانيس ريتسوس الشاعر اليوناني الكبير لا يستطيعون كتابة قصيدة واحدة تكشف شظف العيش الذي تعيشه اليونان؟ ومن يصدّق أن أحفاد الفنان جيرجس جاكوبيدس ورفاقه من مدرسة بيرلين التشكيلية، لا يملكون قيمة الفرشاة وألوان الزيت لرسم مأساة واقعهم اليومي؟ ولعل السؤال الأخير، ماذا سيفعل زوربا اليوناني، الشخصية الروائية الشهيرة، التي صنعها الروائي الكبير كازانتزاكي، والتي آذى دورها الممثل القدير أنطوني كوين، في أحد أجمل أفلامه، ماذا سيفعل وهو الذي يؤمن بالحياة، ويعيشها بكل ما فيها من حب وعشق وشغف وجنون؟ ماذا سيفعل أمام أزمة اقتصاد بلاده؟ هل سيرقص كما كان يفعل حينما يفعل في التعبير عما بداخله؟ هل سيرقص فوق جثة اليونان التي غرقت في ديون لا مخرج منها؟ أم سيمسح أحذية السياح من دول شرق آسيا وغربها، وهم يستغلون أسعار الفنادق المتدنية، والسياحة الفقيرة؟ وإذا كان بعض هؤلاء السياح أصبحوا يشترون العقارات الزهيدة الثمن في اليونان، فهل هذا يعني أن اليونان أصبحت معروضة للبيع؟ هل ستتغير خريطة التوزيع السكاني فيها على مدى السنوات العشر القادمة؟ كيف ستنهض من جديد، كالعنقاء من الرماد؟ أي الأدوات الاقتصادية، بعيداً عن الاقتراض والديون، ستعيد هذه البلاد العريقة إلى توازنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؟ الآن، واليونانيون ينظرون بتوسل إلى أيدي المسؤولين في البنك الأوروبي المركزي، للنظر في إمكانية منحهم ديون طوارئ، ماذا لو لم يتم ذلك؟ هل ستنطلق من هذه الدولة المتحضرة شرارة الربيع الأوروبي، كما أطلقت تونس مطلع 2011 شرارة الربيع العربي، الذي ما زلنا نعيش تبعاته وتحولاته الخطيرة؟ أليس الاقتصاد هو الأداة الأكثر أهمية لترسيخ الأمن في أي دولة؟ واختلاله يعني اختلالاً اجتماعياً وسياسياً محتملاً؟ أظن أن على دول منطقة اليورو أن تعمل حثيثاً على إعادة تازن اليونان، وتحقيق استقرارها الاقتصادي والسياسي، لأن انفلاتها يعني المزيد من الاختلال الاقتصادي الأوروبي، والفوضى السياسية ربما!