في مدينة ميونيخ الألمانية أضخم متحف علمي وتقني في العالم، فيه آلاف الأشياء ذات القيمة التاريخية مثل أقفال من جزيرة العرب من القرن الماضي، وسفن من القرون الوسطى ومعدات وقنينات كيميائية استخدمها العلماء القدامى قبل مئات السنين وطائرات كاملة من الحرب العالمية الثانية بل وحتى مركبة فضائية، ومن أبرز الأشياء فيه أول غواصة حربية وهي غواصة U1، وحرف U يرمُز للغواصات الألمانية خاصة الحربية والتي كانت جزءً مرعباً للبريطانيين وحلفائهم في الحرب العالمية الثانية، ولها أرقام حسب الطراز، فمن أشهرها مثلاً غواصة U571 والتي أغرقت 7 سفن ومرت بأحداث مثيرة، وفي المتحف المذكور أول غواصة تنتمي للبحرية الألمانية وهي U1 والتي صُنِعَت عام 1906م وظلت سفينة تدريب ولم تشارك في الحرب العالمية الأولى لا هي ولا الطرازات التي تَلَتها، حتى أتى الطراز U5 والتي أُنتِج منها الكثير وشاركت في الحرب. قبل أن تصل لسفينة U1 المعروضة في المتحف الألماني تجد لوحاً ، وعلى هذا اللوح كُتِبَت عبارة قالها الرسام والمخترع الفريد ليوناردو دافينشي. ليوناردو من ألمع العباقرة الذين عرفهم التاريخ، فرغم أنه اشتهر برسوماته - وعلى رأسها الموناليزا – إلا أن عقله أوسع من هذا بكثير، فقد رسم وصمم الكثير من الاختراعات المدهشة التي سبقت عصره بكثير مثل الطائرات والمركبات والتي تحولت إلى واقع بعد زمنه ببضع قرون، ومن تلك الأشياء التي فكر فيها وصممها ورسمها: الغواصة. لكن عكس معظم أفكاره واختراعاته فإنه لم ينشر فكرة الغواصة ولا أطلع الناس على رسوماته. لماذا؟ السبب موجود في العبارة المعلقة تلك. ماذا قال فيها ليوناردو؟ في تلك اللوحة يقول عن فكرته عن الغواصات: «أتسألونني لِمَ لا أبوح بسرِّ اختراعي الذي يسمح بالجلوس تحت الماء؟ فأنا أجيبكم: لأن الإنسان شرير، ولو عَلِم الإنسان عن هذا الاختراع لصار يقتل الناس تحت الماء». وقد تحقق كلامه، فسارع الغربيون إلى تعجيل التقنية لتكون عذاباً على البشرية، وصارت الغواصة لا تُعرف إلا كسلاح، بل إنها قد تكون أخطر سلاح على البشر لأنها مخفية تحت الماء ولكنها تستطيع إطلاق الصواريخ النووية، ولا زال الغربيون يفعلون هذا اليوم، فلما اختُرِع الديناميت عام 1867م ليكون جزءًا من عمليات البناء ما هو إلا أقل من 20 سنة حتى استخدمه الأمريكان كسلاح، ولما اخترعوا طائرات بلا طيار وتقنيات أخرى استخدموها فوراً للقتل والإجرام، وتقنيات الحاسب المتطورة صارت من أسس التجسس العالمي وتحريك مركبات وطائرات تصب الدمار على الأبرياء، فما أصْدقَ كلامك يا ليوناردو!