نظراً لأهمية منصب القضاء وحساسيته، فقد قيَّد الفقه الإسلامي ومثله نظام المرافعات الشرعية سلوك القاضي وتصرفاته أثناء نظر الدعاوى وفي الحياة العامة بالعديد من القيود التي تكفل احترام القضاء في نفوس الناس، فالقاضي مقيد بقاعدة عامة هي أن يكون مميزاً في تصرفاته رزيناً ووقوراً بما يكفل احترام الناس له ولمهنة القضاء، وعليه فإنه يجب على القاضي في كل الأوقات أن يكون عادلاً ونزيهاً وعفيفاً ووقوراً، وأن يبتعد عن كل ما يشكك في عمله وأمانته ونزاهته، لذلك فإن من قواعد سلوك القاضي التي استنبطها الفقهاء، أنه إذا انعقدت الجلسة فلا يسلم على أحد، ولا يجعل أحداً يسلم عليه، وأن يتجنب القاضي مخالطة الناس إلا لحاجة، وأن يسوي بين الخصمين في الجلوس والنظر والنطق والخلوة فلا ينطلق بوجهه لأحدهما ولا يسار أحدهما ولا يومئ لأحدهما بشيء دون خصمه ولا يكلم أحدهما بلسان لا يفرضه الآخر، وهذا ما أوصى به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبا موسى الأشعري في رسالته الشهيرة في القضاء، حيث ورد بها الآتي: «إلى أبي موسى الأشعري أما بعد.... سوِّ بين الناس في مجلسك، ووجهك وعدلك....». ومما تقرر في الفقه الإسلامي أنه في التعامل مع المتنازعين، ينبغي على القاضي أن يسوي بين الخصمين في خمسة أشياء، في الدخول عليه، وفي الجلوس بين يديه، وفي الإقبال عليهما، وفي الاستماع منهما، وفي الحكم عليهما. ومما لا شك فيه أن قواعد التعامل هذه ينبغي التقيد بها كذلك في التعامل مع المحامين وممثلي الشخصيات الاعتبارية ووكلاء الخصومة حتى تكون القرارات والأحكام القضائية بعيدة عن العلاقة الشخصية ولتصبح موضع طمأنينية واحترام وخالية من شوائب التمييز والشبهات. تجدر الإشارة أنه رغم الاجتهادات التي لجأ إليها الفقهاء في استنباط قواعد السلوك التي يجب أن يتقيد بها القاضي، إلا أن اجتهاداتهم تلك جاءت على سبيل المثال لا الحصر، وهذا ما قرره نظام المرافعات الشرعية في الباب الثامن الخاص بتنحي القضاة وردهم عن الحكم، حيث إن أسباب الرد التي وردت في المادة 96 لم ترد على سبيل الحصر، بل وردت على سبيل المثال، ذلك أن المادة 98 من النظام المذكور نصت على أنه: «إذا قام بالقاضي سبب للرد ولم يتنح جاز للخصم طلب رده، فإن لم يكن سبب الرد من الأسباب المنصوص عليها في المادة (السادسة والتسعين) من هذا النظام، وجب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع في القضية وإلا سقط الحق فيه». فعبارة «فإن لم يكن سبب الرد من الأسباب المنصوص عليها في المادة السادسة والتسعين» توضح بجلاء أن أسباب الرد المنصوص عليها في المادة المذكورة وردت على سبيل المثال لا الحصر، وللتقرير عمَّا إذا كان سبب الرد –من غير الأسباب المنصوص عليها في المادة السادسة والتسعين– يصلح للرد أم لا يصلح، يتعيِّن اللجوء إلى الفقه الشرعي واجتهادات الفقهاء رغم أنها أيضاً لم ترد على سبيل الحصر كما سلف القول ولكنها أشمل مما نصت عليه المادة السادسة والتسعين من نظام المرافعات، وبالتالي يصبح القرار حول صلاحية سبب الرد من عدمه سلطة تقديرية يمارسها رئيس المحكمة الذي يتولى نظر طلب الرد. ختاماً نشير أنه بإجراء مقارنة بين أسباب رد القاضي وفق نظام المرافعات الشرعية السعودي والنصوص المماثلة في قوانين دول الجوار مثل الكويت والأردن وقطر نجد أنها تكاد تكون متطابقة، ويعزى ذلك إلى أن مصدر تلك النصوص جميعاً هو الشريعة الإسلامية.