رائع ما كتبته الأستاذة ناهد باشطح في مقالها (في حضرة الكتابة) والذي أود التعليق عليه من زاوية أخرى فإن تمسك قلما بعد طول غياب، بأصابعك التي تفتقد الكتابة، بعد أن تنقطع عن ممارسة هذه «العادة»؛ ثم تحاول استرجاع لياقتك فيها.. أمر ليس بالهين. حين تضحك (حزينا) وأنت تشاهد خط يدك استحال (خربشة دجاج) بعد سنوات لم تعتد فيها أن ترى الحبر إلا تعقيبا على معاملة أو شرحا على استفسار سقيم في عملك؛ أو توقيعا لاستلام عهدة مالية! سحقا لكل لوحة مفاتيح إلكترونية أنستنا متعة الخط؛ ومعنى القلم؛ وسحقا لكل خيار (نسخ ولصق) حرم أناملنا المتعطشة لذة إمساك خاصرة القلم النحيلة الفاتنة. إننا لم نعرف قدر الحق سبحانه الذي اختار واحدة من سور القرآن الكريم ليسميها (القلم) وليقسم به وبما يسطر في ثناياه؛ وذلك حين استبدلناه بلوحة مفاتيح تقدم لك خيارات واقتراحات وكلمات مفتاحية متوقعة بمجرد النقر على أول حرفين! كنت إلى فترة قريبة أتعجب من كم العلم والمعرفة والأدب التي وُصف بها «الوراقون»؛ بل إن بعض كبار الأدباء والمفكرين عاشوا وماتوا في ظل هذه المهنة كأبي حيان التوحيدي الذي عاش وقضى وراقا؛ فأخرج لنا بمهنته هذه كنوزا في العلم والفكر والأدب. إنه سر القلم، حين كان القلم أداة للتعبير والتنفيس خرج لنا الشعراء والأدباء والمفكرون والفلاسفة والمبدعون، في ظني لأنهم قد وجدوا لغة تعبيرهم. وحين تحولت هذه الأداة الراقية في التعبير إلى مجرد (كاميرا) تنقل لك الحدث كما هو بصوته وصورته، فقدت مجتمعاتنا متعة التخيل، وقتلت العدسة فينا جمال الخيال. هَب أن كل شاعر عاشق دنف متيم عبر أزمنة ما قبل الثورة الصناعية والتكنولوجية، كانت لديه صورة محبوبته في (جواله) آنذاك.. هل كان ناقلا لنا تلك الأخيلة الناطقة، والتراكيب الجمالية المصورة البديعة؟ لا ورب القلم. الحمد لرب القلم الذي لم يأذن بظهور الكاميرا زمن امرئ القيس في الجاهلية وزمن حسان بن ثابت في صدر الإسلام، وزمن جرير في الدولة الأموية وزمن أبي البقاء الرندي في العهد الأندلسي، وإلا لما نقلت لنا.