في العالم الإسلامي اليوم يوجد طائفتان أساسيتان، هما (السنة والشيعة). وإن كانت الأخيرة قليلة بالنسبة للأولى إلا أن الجدل والنقاش متجذر بينهما؛ ما أفضى بالأمة إلى التمزق والتشرذم مع الأسف الشديد. ونحمد الله أنه يوجد بين هاتين الطائفتين عقلاء يعرفون الأمور التي تجمعهم فيجتمعون عليها، ويعرفون ما يفرقهم فيبارحونها. «إن الإسفين» الذي يدق بين الطائفتين هو منبثق من متعصبي هاتين الطائفتين ليس إلا، وهم قلة - ولله الحمد - إلا أنهم كالحجر الذي يُرمى في البركة الهادئة؛ فهم الذين خلقوا هذا التنافر بين هاتين الطائفتين!! وهنا تعقد آمال عريضة، ولاسيما في عقلاء هاتين الطائفتين، بأن ينضووا تحت مظلة أن نعبد إلهاً واحداً، ونتوجه إلى قِبلة واحدة، ونمسك بكتاب واحد.. أليست هذه قواسم مشتركة كفيلة بأن تتوحد الأمة؟! غاضين الطرف عن تلك الأمور التي يفت النظر إليها في عضد الأمة، ويهدم حصونها.. والكلام هنا ليس موجهاً إلى هاتين الطائفتين وحسب بل ينسحب إلى جميع المذاهب والطوائف الأخرى، ممن تناسوا القواسم المشتركة التي تجمعهم. فالطائفية لها ريح نتنة، وهي مقوضة للأوطان، تفرق كل جمع، وتهدم كل حصن.. أيها القارئ الكريم، إذا عجزنا عن إيجاد أمة متماسكة بدين واحد فإنه يجب أن لا نعجز عن أن ننتمي لوطن واحد.. فالعالم اليوم يعيش كيانات سياسية، يهمها بالدرجة الأولى الولاء السياسي والوطني، وليس معنى كلامي هذا أني أقول إن الدين شيء ثانوي في حياة الشعوب والأمم بل هو الأساس بالنسبة للذات الإنسانية منفردة، فلن يُسأل أي إنسان عن دينه.. فالله وحده هو الذي يسأل.. وطالما أن العالم يعيش من خلال هذه الكيانات السياسية فيجب أن يكون الولاء المطلق هو للوطن وولاة أمره. وأي كيان سياسي لا بد أن يتوافر فيه ثلاثة أركان، هي (الإقليم والشعب والسيادة). وأقف هنا عند الشعب في المنظور السياسي. فالشعب غير الأمة؛ فقد يكون أبناء الشعب مختلفي المشارب والأعراق والدين.. المهم أن يجمعهم شيء، هو الولاء للوطن. فيجب أن تنصهر هذه الفوارق في شيء واحد، هو حب الوطن وتفيؤ ظلال رايته التي يحملها ولاة أمر هذا البلد. فالدولة الإسلامية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت آنذاك تحتضن بين جنباتها المسلم واليهودي والمسيحي، ولكنهم اجتمعوا على شيء واحد ألا وهو الذب عن حياض الوطن، وهذا ما علمناه في الدول الإسلامية المتتابعة بعد عصر النبوة. وفي هذا النسق الدولي الرحب تتكون دول العالم من شعوب مختلفة المشارب، ومع ذلك فإن الوحدة والوئام والانسجام موجودة بينهم رغم هذا التفاوت؛ لأنهم أجمعوا على شيء واحد، هو الوطن.