أشرتُ أمس ل«الغفوة» غير الإرادية، والمحكومة بسُلْطة النوم، والتي قد يُلتمَسُ لصاحبها العذر، كونه لا يستطيع مقاومتها، مهما كانت الكارثة التي ستقع بعدها. ولو افترضنا جدلاً أن هناك محاكمة ستنعقد لإدانة أو تبرئة المتهم بالغفوة، فإن محامي الادعاء ستكون لديه حجج بقدر محامي الدفاع، وسيحتار القاضي في إصدار الحكم الملائم على مرتكب الغفوة الذي تسببتْ جُنْحَتُه في إحداث الجرم. الذي لم أتحدث عنه، هو «الغفوة المتعمّدة»، وهي أن يتظاهر الشخص بأنه واقعٌ تحتَ تأثير الغفوة، بهدف إعطاء الفرصة لمن حوله، فرداً أو مجموعة أفراد، لممارسة ما يرغبون ممارسته، ومغادرة موقع الغفوة، وكأن شيئاً لم يكن. ثم بعد ذلك، وحين يتم اكتشاف الواقعة، يكون الشخص في حكم الغافي، والغافي لا حكم عليه! مثل هذا النوع من الغفوات، نجده ماثلاً حينما نقرأ أخباراً عن كشف تجاوزات بعض كتّاب العدل في قضايا الإفراغ. ونجده أيضاً في قضايا الاحتيال من بعض الشركات المساهمة، وفي ترسية المشاريع بالباطن في قطاع المقاولات الحكومية، وفي استلام المشاريع الفاسدة، وفي صمت بعض الكتّاب والإعلاميين عن قول الحقيقة، وفي معظم ما يحدث في سوق المال وسوق العقار، وفي قضايا الغش التجاري في كبريات الشركات، وفي قضايا السكوت عن التجاوزات الشرعية من بعض من يدعون الانتماء للدعوة: كل هذه الغفوات هي غفوات متعمدة، الهدف منها مصالح شخصية، ولا ينفع معها إلاَّ المدفع المضاد للطائرات، الذي أَعْدَمَ به الرئيسُ الكوري الشمالي وزيرَ دفاعه، لأنَّه غفا في حضرته!