تمثل «البيعة» في المملكة نموذجا مشرقا في تاريخنا الفريد على مدى فترات مراحله المتعاقبة ودليلا راسخا على متانة العلاقة بين "الراعي والرعية" في هذه البلاد تتجسد من خلالها قوة العلاقة بين القائد وشعبه في اسلوب مميز شهدته بلادنا في كل مرحلة من مراحل تاريخها حينما يرحل فيها قائد من قياداتها ويخلفه قائد آخر للسير بالبلاد إلى ميادين التقدم والتطور في مختلف المجالات بكل سلاسة وهدوء وثقة مما يعطي الشعب المزيد من الاطمئنان على مستقبل البلاد. حشود قصر الحكم.. استفتاء شعبي عنوانه: «سمعاً وطاعة» وتشكل البيعة ميثاقا إسلاميا عظيما تجسد تلاحم المسلمين واجتماع كلمتهم على إمام واحد، ومما يدل على تعظيم شأن البيعة في الإسلام وعظم أمرها ما ذكره الله جل وعلا في سورة الفتح في قوله سبحانه (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) الآية، ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم وأبوداود والنسائي: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع». وتقف الحشود الشعبية الغفيرة التي يكتظ بها قصر الحكم والساحات المحيط به خلال مراسم البيعة لملوك المملكة شاهدا على هذه العلاقة الفريدة بين الشعب وقيادته في أدق مراحل التحول فيها عند انتقال الحكم من قائد الى خلفه، حيث تبايع جموع الشعب ملك البلاد على السمع والطاعة في مشهد مهيب تصطف فيه الحشود الهائلة من المواطنين الذين يمثلون مختلف شرائح المجتمع والعلماء والمشايخ ورؤساء القبائل وغيرهم خارج القصر وداخله على مسافات طويلة لتقديم البيعة لقائدهم الجديد وسمو ولي عهده في حدث لم ولن ينساه أي مواطن وسيبقى خالداً في ذاكرتهم جميعاً. وتشكل البيعة عقداً بين الحاكم والرعية يلتزم فيه الحاكم إقامة الدين وتطبيقه وسياسة الدولة، وتلتزم فيه الرعية بالسمع والطاعة ولكل منهما واجبات وحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية حيث في هذا العقد صلاح الناس والبلاد ووقاية المسلمين بأنفسهم من الفتن ودخولهم ساحة الأمان والنجاة من الوعد الشديد في قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (رواه مسلم)، وكانت أول بيعة في الإسلام هي بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية وبيعة الشجرة ولكن كانت تلك المبايعات لنصرته صلى الله عليه وسلم وليست لخلافته، أما أول بيعة للخلافة فهي مبايعة أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أول تطبيق لنظام البيعة في العصر الحديث على يد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما تم الاتفاق بينهما على تأسيس الدولة السعودية الأولى انطلاقاً من تجديد الدين وإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية. وفي عام 1179ه توفي الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - وبويع ولي عهده الإمام عبدالعزيز بن محمد وتمت هذه البيعة من قبل الحاضرة والبادية، وبعد استشهاد الإمام عبدالعزيز بويع ابنه الإمام سعود عام 1218ه، وبعد وفاة الإمام سعود عام 1229ه بويع ولي عهده ابنه عبدالله، وفي العام 1250ه تمت مبايعة الإمام فيصل بن تركي بعد استشهاد الإمام تركي بن عبدالله، واستمرت الدولة السعودية على هذا النهج في مراحل انتقال السلطة وتولي أمور الحكم من قائد إلى قائد، وفي العام 1373ه توفي الملك عبدالعزيز وبويع ولي عهده آنذاك الأمير سعود ملكاً على المملكة، وفي العام 1395ه استشهد الملك فيصل - رحمه الله - وبويع ولي عهده الأمير خالد ملكاً على البلاد والأمير فهد بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وبعد وفاة الملك خالد - رحمه الله - تمت مبايعة الأمير فهد ملكاً للبلاد في العام 1402ه وبعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في شهر جمادى الآخرة من العام 1426ه بايع الشعب ولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - ملكاً للمملكة والأمير سلطان - رحمه الله - ولياً للعهد، وبالأمس بايع الشعب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ملكا للبلاد والأمير مقرن وليا للعهد والأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وتميزت البيعة في المملكة بمشاركة كافة شرائح المجتمع كباراً وصغاراً فيها والقناعة لدى المبايعين فيما بايعوه وسهولة عملية اتمامها من دون أي تعقيدات، مجسدة نموذجاً فريداً في نوعه في تحقيق معاني الوحدة والتلاحم والتعاضد بين الراعي والرعية. جموع من المواطنين لمبايعة القيادة الأمراء خالد بن بندر ومتعب بن عبدالله وسعود بن عبدالله والوليد بن طلال ود.خالد بن عبدالله جانب من مبايعة القيادة عدد من أصحاب السمو خلال مراسم البيعة