في اللحظة التي توقّف فيها صديقه عن مواصلة السير معه، توقّف ونظر في عينيه مستفهماَ لكي تباغته الإجابة.. « أنا آسف.. لا أستطيع «! لم يكن هذا الصديق ليتحمّله في الفترات الأخيرة، لقد ضاق ذرعا بكل شيء .. هلوساته، وساوسه، دموعه، واضطرابه.. فقرر في لحظة من لحظات القرف المُستبد «الانسحاب»، وإلا ما الذي يضطره للبقاء مع كومة العُقد النفسية هذه، المليئة بالمخاوف، الظنون، والاضطرابات العاطفية..! لم يشأ هذا المسكين المتّهم بالجنون، وهو الذي يفهم طبيعة النفس البشرية أن يستجدي صديقه ويتوسله البقاء باديء الأمر... لأنه وعلى الرغم من كل شيء صاحب كبرياء عظيم, يفضّل الأشياء صادقة, أصيلة تنبع من رغبة جادة وحقيقية. فهو يعتقد بأنه حقيقي بما يكفي ليستحق ما هو جدير به من حقوق الصداقة وواجباتها.. صحيح بأن صديقه يائس حتى النفس الأخير، ويؤمن بأنه لا فائدة من مواصلة السير.. ما دامت الرحلة ستنتهي بلا شيء ! وأنه الآن وبالنسبة إليه.. مجرّد خردة بالية تنفث سمومها في الجوّ لتعكر من صفو المكان، وتؤذي أول ما تؤذي عينيّ صديقه الذي يودّ التخلّص منه في قرارة نفسه ولكنه يشعر بالخجل.. «يالها من قيم زائفة التي يدعيها البشر «حدّث نفسه.. وقال لصديقه: « فلتبقَ معي.. أرجوك « « لقد تعبت ..! « - كيف تتركني وأنا في أمس الحاجة إليك ؟ - « أنت صديقي وأنا أحبك.. ولكنني تعبت.. فسامحني أرجوك « - لا تتركني أرجوك !! - أرجوك لا تكن أنانياً؟! - « اسمح لي بأن أكون كذلك ولو لآخر مرة في حياتي !! « قالها وقفل عائدا من حيث أتى..