يشرب الكلب ماءً باردا ً في أصفهان ويأكل العربي الجراد في الصحراء اقتباس من ملحمة الفردوسي في تمجيد الفرس وتحقير العرب يختلط جنون العظمة بشعور الدونية في علاقة الفرس العاطفية بالعرب. جنون العظمة، سواءً على مستوى الفرد أو الأمة لا يتضخم بسبب قناعة عقلانية بالعظمة ولا ينبع من شعور حقيقي بها، بقدر ماهو محاولة لمحاصرة عقدة دفينة في العقل الباطن لم يستطع هضمها بإخراجها إلى مستوى التعامل العقلاني. انبعاث العنصرية الألمانية الآرية في عهد الحكم النازي لم يكن عن قناعة شعب حقق نصراً مبيناً على غزاة أجانب، وإنما محاولة لملمة أشتات شعب خرج بهزيمة مدوية أمام نابليون الفرنسي في معركة يينا عام 1806م، ثم من الحرب العالمية الأولى عام 1917م. الهدف كان رفع المعنويات تمهيدا ً لأخذ الثأر، وقد أدى جنون العظمة الآري هذا إلى تهشيم واحتلال كامل التراب الألماني وتقسيمه إلى دولتين عام 1945م. الحال مع إيران اليوم هو نفس الشيء، أي محاولة تكرار لانبعاث العظمة الغابرة، ولكن ليس بإشهار الانتماء الفارسي علناً وإنما بالاحتيال المذهبي والتستر بخرافة المظلومية التاريخية، لأن إيران ليست كلها فارسية وليست كلها اثنيعشرية، ولكن حكومة الملالي هي هكذا طموحاتها. هم يعرفون أن الإعلان عن العنصرية الفارسية في مشروعهم الإمبراطوري سوف يمزق إيران ذات الأعراق المتعددة، لذلك لجؤوا إلى الاحتيال، أما الكشف عن الحقيقة فمضمر لما بعد تحقيق الأوهام. لماذا لا يوجد في العقل الإيراني الباطن محرك كامن لتصفية الحسابات القديمة سوى ضد العرب، ولماذا يغلف هذا الحقد الدفين بهلوسات جنون العظمة ومحاولة التحقير للذات العربية؟. الجواب موجود في علم النفس، في العقل الإيراني الباطن الذي لم يستطع التعامل مع 1400 سنة من التاريخ الإسلامي بطريقة التفريغ إلى العقل الواعي للتعامل المنطقي مع التاريخ. الفرس لهم تاريخ طويل من المعارك الطاحنة مع الإغريق والبابليين والآشوريين والمصريين، وقد هزمهم الإسكندر المقدوني اليوناني وأسر إمبراطورهم، لكن إيران لم تتحول إلى لغة المنتصر ولا كتبت بأبجديته ولا اعتنقت عقيدته ولا سمت أجيالها بأسمائه، بخلاف ما حدث لها مع العرب. العرب حملوا رسالة سماوية روحها الإسلام ومادتها العرب، والعرب قادمون من الصحراء القاحلة التي يأكل فيها الإنسان الجراد، فكيف لهذا الصنف البدائي من البشر أن يتشرف برسالة سماوية ويتغلغل في بلاد الفرس بلغته وأسمائه وقصائده، علاوة على نصوص رسالته السماوية. الرفض هو ما أوجب اللجوء إلى محاولة الاستخفاف والتحقير، وليس الاقتناع بالتميز العرقي، تماماً مثلما حدث في ألمانيا النازية. هذا الحديث يجرنا إلى النظر في صحرائنا العربية العجيبة الغريبة، القاتلة الولود، المعطية الناهبة، المجدبة المخصبة، ودورها في التاريخ البشري. بمنطق الإمكانيات المادية في الجغرافيا والطقس والمناخ والمياه والنبات يأتي السؤال، كيف لمنطقة جغرافية ليس فيها من كل ذلك شيء يذكر أن تصبح أسماء ربع وربما نصف سكان الأرض لا تخرج عن محمد وعبدالله وعلي وعمر وخالد وحسن وحسين وعائشة وفاطمة؟. إذهب إلى أورومتشي في تركستان الغربية، إلى طاجاكستان، إلى أندونيسيا، إلى الهند التاريخية الكبرى، إلى إفريقيا، وسوف يذهلك تكرار الأسماء المذكورة أعلاه. كل الحضارات التي أثرت البشرية وأثرت في حضارات العالم الأخرى كانت سليلة بيئات جغرافية خصبة، ما عدا الحضارة الإسلامية العربية، فهي الوحيدة التي ولدت من رحم صحراء قاحلة، حيث يأكل الجائع الجراد ويشرب حليب الإبل بدلاً من عصير العنب. أما لماذا اختار الله أبناء هذه الصحراء ليحملهم رسالته، فذلك في علم الله وحده، ولكن هذا الاختيار لم يرق للعقلية الفارسية في إيران حتى اليوم. لهذا السبب يعلن كل مسؤول إيراني يجد نفسه أمام ميكروفون، أن بغداد هي عاصمة إيران التاريخية وأن كامل الجغرافيا العربية مجرد امتداد حيوي لإيران. هذا الصلف والغرور فرض على العرب تصحيح الوضع باللغة الوحيدة التي تتعامل بها وتفهمها الحكومة الإيرانية الحالية، والبداية كانت عاصفة الحزم والتكملة بإذن الله في الطريق لتحرير العراق وسوريا ولبنان.