ويبقى للفهم عاصفته التي ينبغي أن تعيد لبعضنا ترتيب أوراقه وليس خلط الأوراق. لقد كان الحوثي يؤدي الدور الفارسي الصفوي ويأتمر بأمره وكان أهل السنة يحذرون منه ومن تمدده. فإيران عدو غريب عجيب، له أطماع لا تنتهي، وشهية لا ترتوي، تتخذ من التشيّع مطية، وهي تسعى لاسترداد مجد الفارسية، وهذه الحقيقة التي لا يريد كثير من الشيعة استيعابها، فهم بالولاء ل (قم) و(طهران)، ولو سألهم أحد أطفالهم: لماذا تصرّ إيران على تسمية (الخليج العربي) ب(الخليج الفارسي) إن كانت تبجّل علياً رضي الله عنه فإنه عربي!! ليس فارسياً؟ بل جميع أئمة الشيعة عرب أقحاح!! أليس هذا دليلاً على حقيقة العنصرية الفارسية!! والدلائل كثيرة. إذن فلا ولاء لهم لعلي ولا لآل البيت رضوان الله عليهم؛ بل ولاؤهم لكسرى وللنار التي كانوا يعبدونها ومازالوا يقدسونها (من الغريب اشتمال طقوس الشيعة وخاصة في إيران على تقديس النار). هذه الحقيقة حين نجلّيها ليست طائفية كما يطنطن بعض السذّج أو من يريد اللبس والتدليس. من السهل أن تتكئ على أريكتك وتنصح الظالم والمظلوم بالصمت أو بالعفو... هكذا يحلو للبعض أن يصوّر نفسه منصفاً... الإنصاف لا يعني أن تساوي بين الظالم والمظلوم والجلاد والضحية. ليست مشكلة أهل السنة الحالية في مجرد معتقد يعتقده صاحبه, ففي قواعد الشريعة ما يضبط التعامل في هذه الحال؛ ولكن المشكلة حين يتعدى الآخرون على حقوقك، ويتآمرون ضدك. وإن أهل السنة بجميع أطيافهم هم أكثر الناس تعايشاً مع الآخرين، والتاريخ شاهد على ذلك، والمنصفون يشهدون به، ووجود غلو أحياناً هو أمر طبيعي في كل ملة ونحلة وشعب، ولكن المفارقة العجيبة أن أهل السنة هم من أشد الناس معارضة بل وحرباً على غلاة مذهبهم؛ في حين نرى إيران بل وسواد الشيعة حتى مثقفيهم لا يستنكرون على غلاتهم شيئاً حتى ليخيّل إليك أن التشيّع كله كذلك. فالحديث عن التمدد الإيراني أو المد الصفوي والمجوسي كل ذلك لا علاقة له بمعتقد الشيعة, فلو كان الشيعة يمارسون طقوسهم في مجتمعاتهم ودون إيذاء للآخرين ودون تعدٍّ عليهم ودون أطماع توسّعية لكان ذلك لوناً من التعايش الذي يؤصل له أهل السنة مع كل التيارات؛ بل حتى لو اعتقد أهل السنة أو أحد منهم كفر الشيعة فليس ثم أدنى تلازم بين الحكم بالكفر لهم وبين مقاتلتهم، ففي القرآن الكريم {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (8) سورة الممتحنة. ولكن قد اتضح لكل مراقب ومحلل أن إيران تتخذ التشيّع مطيّة لأطماعها وهنا تكمن الخطورة، والتي يجب أن يكون لمفكري الشيعة موقف واضح منها، يعلنون رفضهم لتوسعها، ويتبرأون من الولاء لها، فإذا لم يكن كذلك فهم الذين يضطروننا للحديث عن التشيع وإيران في سياق واحد. ومن المغالطات أن يتحدث البعض عن المذهب الزيدي وكأن أهل السنة يريدون اجتثاث المذهب الزيدي... هذه مغالطة فجّة فأولاً يتفق الشيعة الاثنا عشرية وأهل السنة على أن الزيدية ليست هي الاثني عشرية؛ بل هي مذهب مستقل تماماً؛ بل أكثر من ذلك أن طائفة من مصادر الشيعة الاثني عشرية صرّحت بكفر الزيدية. وثانياً فالحوثيون ليسوا زيدية بل هم فرقة تسمى الجارودية (سواء اعتبرت فرقة متشددة منهم أم من خارجهم )، ومهما يكن فجماعة الحوثي الحالية قد تعلموا في (قم) وأخلصوا ولاءهم التام لإيران، وهذا ليس من شأن الزيدية في شيء فقد كانت علاقة الزيدية بالسنة أكبر بكثير من علاقتهم بالاثني عشرية فضلاً عن إيران نفسها. ولو أن أحداً من أهل السنة أدان بالولاء لإيران مسوّقاً مشروعها التوسعي، أو مشروع تصدير الثورة لاعتبر منهم حتى ولو لم يعتقد اعتقادهم. وثالثاً فالحرب هي رد اعتداء المعتدي أياً كان فمشكلة الحوثي هي اعتداؤه المدعوم من إيران؛ بل وفرضه معتقداته وشركياته بالقوة، وهدم المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم فأي إسلامٍ هذا؟!! ورابعاً فأهل السنة الآن في موقف الدفاع عن أنفسهم في أصقاعٍ كثيرة، فالتهويل لا معنى له. وثم مغالطة أخرى يتبجح بها بعض مثقفينا حين يجلّي بعضنا الجانب العقدي لدى الحوثيين ليقول : ليست الحرب عقدية...!! كفانا سذاجة، فالمعتدي ولاسيما المدعوم من دولة توسعية تعتقد بتصدير الثورة يجب فضحه ومحاربته، ومن فضحه بيان ما يخالف به أصول الإسلام مع ادعائه الإسلام ( كبعض الشركيات، وكشتم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام) ، والشعب الذي يتخذه حاضنة له؛ يجب أن يعرفه على حقيقته، وإيران التي تتخذه ذراعاً لها كما تتخذ غيره لا يفكك خطابها التعبوي الطائفي إلا من يعرف تفكيكه، فمن كان لا يدرك ذلك فلا يخلطنّ الأوراق. وختام عاصفة الفهم أن ننبه إلى أمرين: الأول أن اعتقاد أحدٍ كفر الآخر ليس هو المشكلة إذا التزم كل أحدٍ بحقوق الآخر فليس أهل السنة من يكفر الشيعة (الاثني عشرية)؛ بل في أدبياتهم اختلاف معروف في ذلك، بخلاف مصادر الشيعة ففيها الكثير من تكفير عامة أهل السنة؛ بل هم يكفّرون الصحابة رضي الله عنهم وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن ما عدا بضعة من الصحابة فقط. وحين أقول: إن اعتقاد كفر الآخر ليس هو المشكلة، ليس تهويناً من شأن التكفير؛ ولكن لتقرير مبدأ أعظم كما سبق، فما زال المسلمون يعيشون مع أهل الأديان الأخرى مع اعتقادهم كفرهم، ونظام التعايش نظام ضبطه الإسلام بحفظ الحقوق واحترامها (أقام المصور الأمريكي اليهودي نورمان جرشمان متحف «ياد فشيم» بالقدس الغربية بالصور الفوتوغرافية والشهادات ليثبت أن المسلمين الألبان، أنقذوا مئات الآلاف من اليهود من أيدي النازيين في الحرب العالمية الثانية). الأمر الثاني أن إنكار أهل السنة أو أهل العلم منهم للشرك كدعاء الموتى والقبور، أو منكرات شنيعة أخرى كشتم الصحابة رضي الله عنهم.. كل ذلك لا يجوز بحال مصادرته أو نقده بحجة الطائفية؛ لأن ذلك مما يجب الاتفاق على إنكاره من كل من ادعى الإسلام.