بعد مواصلة هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوى في 5 سنوات، هناك تذبذب في الأسعار من حرب 1973 إلى الهبوط الكبير عام 1986 وصولاً إلى الأزمة المالية. وقد انهالت التحليلات، منهم ما اعتبرها حرباً نفطية ثانية، ومنهم من اعتبرها مؤامرة ضد روسياوإيران، والبعض اعتبرها حرب أسعار ضد النفط الصخري، والبعض الآخر اعتبرها مؤامرة سعودية لمساعدة مجموعة العشرين من أجل التحكم في أوبك؛ حتى تخدم السعودية مصالح مجموعة العشرين.. وبالأخص بعدما خيبت السعودية السوق النفطية، ولأول مرة ترفض خفض سقف الإنتاج؛ ما زاد من عدد نظريات المؤامرة والتكهنات. ونسي مثل هؤلاء جميعاً أن المعادلة النفطية تؤثر فيها ثلاثة متغيرات متمثلة في الاتجاهات في إنتاج واستهلاك وأسعار النفط منذ عام 1970. انخفاض أسعار النفط مثّل فرصة ذهبية لبعض الدول الآسيوية، وبشكل عام للدول المستهلكة كافة، ولكن بشكل خاص لدول مثل الهند وإندونيسيا، وهي فرصة لها أن تصلح نظم دعم الوقود المكلفة لديها لمواصلة الإصلاحات التي أعلنتها الهند بشكل خاص. هناك شيء مثير للاهتمام يحدث في التوقعات الاقتصادية العالمية، فالاقتصاد نظام معقّد للغاية على نحو يجعل من غير الممكن أن تتنبأ به بصورة دقيقة؛ لأن أشهر النماذج الاقتصادية لا تزيد شيئاً على كونها طرقاً لأخذ متوسط ما قبل سنتين مع الاتجاه طويل الأمد، وليس من المستغرب عندما لا توجد علاقة تذكر بين النتائج الفعلية والتوقعات. السعودية رأت هذه المرة أنه يجب ترك السوق بمفردها كي تتوازن، بسبب أن غالبية الإنتاج الجديد يأتي من خارج مجموعة الأوبك، وتخفيض سقف الإنتاج يجعلها تخسر عملاءها ومزيداً من انخفاض أسعار النفط، والتدخل في السوق يؤدي إلى مزيد من تصريف المخزونات؛ ما يؤدي إلى انهيار الأسعار بشكل دراماتيكي. السوق مقبلة على زيادة في الإنتاج ووفرة في المعروض، وترك السوق تصحح نفسها وتصحح أوضاعها، وقد يستمر ذلك عاماً ونصف العام أو عامين مقبلين. بسبب التقنيات والتكنولوجيا تم اكتشاف مزيد من النفط الصخري خلال عامين (2011-2013)؛ ما ضاعف مخزونه نحو 10 مرات، أي أرتفع من 32 مليار برميل إلى 345 مليار برميل، وارتفع الإنتاج من 600 ألف برميل يومياً إلى 3.5 مليون برميل. حماية أوبك حصتها السوقية ومرونتها في الأسعار تفقدان النفط الصخري جدواه الاقتصادية، وهي أفضل من توجيه التهم للمنتجين من خارج أوبك بالتسبب في تخمة المعروض. ورغم انهيار العملة الروسية 40 في المائة لكن روسيا ستستفيد هي الأخرى مستقبلاً من ترك الأسعار للسوق. ترك الأسعار للسوق ينفي صياغة السعودية مؤامرة ضد روسياوإيران، وأول المتضررين من انخفاض أسعار النفط دول الخليج باعتبار أن اقتصاداتها ما زالت اقتصادات ريعية، تعتمد على النفط بنسبة 90 في المائة، بينما اقتصادات إيرانوروسيا تعاني العقوبات التي فرضها عليهما الغرب نتيجة صراع حول أوكرانيا وحول النووي الإيراني. لكن يمكن أن تصمد دول الخليج على المدى القريب بسبب أنها تمتلك أصولاً سيادية، تصل إلى 2.4 تريليون دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2014، يمكن أن تدعم اقتصاداتها في مواصلة شراء السلم الاجتماعي من خلال مواصلة الإنفاق على البنية التحتية وتخفيض نسب التضخم والبطالة. سيكون هناك تباطؤ في معدل زيادة الإنتاج من النفط الصخري حتى عند سعر 50 دولاراً للبرميل، وإن الإنتاج الأمريكي يمكن أن يكون متعادلاً، لكنه لن يبدأ بالهبوط نحو الأدنى، ولكن في نفس الوقت تواجه صناعة النفط الصخري الأمريكية اختبار تحمل قاسياً، وخصوصاً الشركات الضعيفة التي تواجه تهديداً بتضاؤل الاستثمار، وتعثر الإنتاج، والاضطرار إلى بيع الأصول واحتمال الإفلاس. منصات التنقيب عن النفط الصخري في إيجل فورد جنوبي تكساس انخفضت 16 منصة منذ أكتوبر 2014 إلى 190 منصة، وفي داكوتا الشمالية انخفض عدد المنصات بواقع 10 حفارات إلى 188، بينما انخفضت تصاريح لحفر آبار جديدة بنسبة 30 في المائة في مناطق باكين وإيجل فورد فقط في نوفمبر 2014 مقارنة بشهر أكتوبر من العام نفسه، أي أن الصناعة تستجيب إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط. العوامل الاقتصادية لصناعة النفط الصخري مكشوفة أكثر أمام الأسعار على المدى القصير؛ فكل شركات النفط الصخري واقعة تحت الضغط، إلا أن ردودها على انخفاض أسعار النفط غالباً ما تكون مختلفة، وخصوصاً أن كثيراً من الشركات تحولت من إنتاج الغاز الصخري عام 2010 إلى إنتاج النفط الصخري باعتباره أكثر ربحية، وربما تتحول مثل تلك الشركات نحو إنتاج الغاز الصخري. مثل تلك الشركات بنت جدواها على الحد الأدنى لسعر النفط بحدود 90 دولاراً للبرميل، أما الآن فقد تغير الوضع، وبدأت الشركات تبحث عن أفكار جديدة حول الوفورات في التكاليف التي ارتفعت ارتفاعاً حاداً. احتياطيات نفط أوبك تقدر ب74 في المائة من إجمالي الاحتياطيات العالمية، حسب إحصاءات عام 2012، بينما خمس دول تمتلك 63 في المائة من احتياطيات العالم، هي (السعودية وفنزويلا وكندا وإيران والعراق)، أي أن النفط على المدى البعيد ستكون أسعاره مرتفعة؛ ما جعل الدول المتقدمة تتجه نحو النفط الصخري بشكل استباقي ريثما تتوافر البدائل التي يمكن أن تكسر احتكار النفط التقليدي. بينما إنتاج النفط الصخري في الوقت الحاضر من خارج أوبك أثر على الأسعار، لكنه أيضاً على المدى القصير لن يصمد النفط الصخري، وخصوصاً أن دولاً غربية تسخر منظمات دولية للتحكم في الوقود الأحفوري بحجة تلوث المناخ والبيئة.. وأثر النفط الصخري في البيئة أضعاف أثر النفط التقليدي، وخصوصاً في ظل عدم توافر بدائل للنفط التقليدي. يمكن لدول العالم التنسيق فيما بينها للوصول إلى أسعار معتدلة، تضمن حقوق المنتجين والمستهلكين، من خلال التنسيق بين دول الأوبك وروسيا والولايات المتحدة والصين وكندا التي تنتج نحو 62 مليون برميل، ويتبقى نحو 28 مليون برميل تنتج خارج تلك الدول، يمكن التحكم بها من خلال التعاون بين دول العالم، بسبب أن دول أوبك لم تعد تسيطر على السوق النفطي.