يجلس عند الدار التي زينت عتبتها بالجفاء.. خليط مما مضى عبر قرون غابرة، وشيء من الآن، وأملاً في غد يصنعه من يقيمون بعد تلال الموت.. هكذا تربع على حصى الطريق.. غير معترض على تقلبات الطقس، ولا على غموض المكان.. منتظراً دونما ملل.. دونما أمنية أن يهطل المطر صيفاً، أن يهب نسيم البحر من جهة الصحراء.. أن تهبط النجوم من أعاليها لتكون ثمار شجر الشوك الصحراوي.. ليس لجسده أن ينثني أكثر مما انثنى لحظة وداع حتى قبل شفاه القبر.. وليس لعينيه أن تترقبا سوى ما تمنحه الرمال من سراب.. تحسب انه نتاج مخاض الصدفة.. أو صنيع قرار ما، لكنه يظن ان ما بين محجريه يقيم كون اشتهاه.. ليس من الضروري أن يكون واقعاً ذات يوم.. فهو لم يرسم خطته بعد ليوم قادم.. ولن يفعل.. هذا المخلوق ينام على وسائد الذهب دون أن يشعر أنه ملك.. دون أن يعرف بريق الذهب.. ويضطجع على الحرير، وهو لم ير بعد سوى خيوط الحبال في تلعثم المشانق عند الرقاب الصاغرة.. انه أبيض كخيط فجر قد يحيله الغيث إلى حزمة ألوان.. غير ممتنع عن أنامل خزفي ليصبح أهزوجة جمال بين روابي الصمت القبيح.. قد تجرفه الأنهار إلى حيث لا يتمنى.. وقد تداعبه الجبال باحمرار حممها.. وقد يبدو عصياً فوق موجة بحر حتى يرسو عند شاطئ.. مازال بهيئة تشبه وجود الأصنام يجلس عند عتبة دار يشده الترقب، وهو بين الترصد، وشعوره باليقين أنه قد لا يدخلها أبداً..