فُجعنا وفُجع كل محبٍ للخير، في يوم الاثنين الموافق للسادس من ربيع الثاني لعام 1436ه بوفاة العم الفاضل الشيخ/ عبدالرحمن بن صالح المحمود.. فرحمه الله رحمةً واسعة وأسبغ عليه شآبيب الرحمات. توفي -رحمه الله- ظهر يوم الاثنين واستعجل أبناؤه ومحبوه في تجهيزه وتغسيله وتكفينه؛ فتمّت الصلاة عليه بعد صلاة العصر من اليوم نفسه، ووري جثمانه التراب بعد العصر مباشرة في مقبرة النسيم بمدينة الرياض، وفي هذا إكرامٌ للميت؛ إذ المشروع في حق الميت هو الإسراع بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه، لحَدِيث اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قال: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (إِذَا مَاتَ أَحَدكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْره) رواه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن. عاش عمي -رحمه الله- أغلب أيام حياته في مدينة الرياض، عرفه الجميع بنخوته وحبّه لمد يد العون، ونفع القريب والبعيد، والسؤال عن أحوال أقاربه وتفقد حاجاتهم رغم مرضه الأخير الذي لازمه الفراش في آخر سنين حياته. كان -رحمه الله- ملازماً للمسجد لا تكاد تفوته تكبيرة الإحرام، ولا قراءة القرآن بعد الصلوات، ملازماً لحلق الذكر والعلم في المسجد المجاور لبيته، وهو المسجد الذي يؤمّه فضيلة الشيخ العلامة/ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- ويلقي فيه دروسه اليومية. عُرف عمي -رحمه الله- بين أهله وجيرانه وجماعة مسجده بجديته ونصحه للجميع، والتواصل مع القريب والبعيد، والإحسان إلى الجيران، وفزعته وشهامته، ونصرة الضعفاء وإكرامهم خصوصاً منْ قدم إلى البلاد لطلب العمل والرزق، فكانوا يتصدرون في مجلسه ويكرمهم ويعطف عليهم ويتفقد أحوال عوائلهم ومستلزمات أهاليهم.. فرحمه الله رحمةً واسعة. ولولا إيماننا بقضاء الله وقدره لصعُب علينا المصاب، ولكنها مشيئة الله تعالى التي نؤمن بها، وندرك معها أن الموت هو نهاية كل كائن حي في الدنيا، فصبرنا واحتسبنا حزناً على فقده. أكتب هذه الكلمات وأنا أستحضر البشارة النبوية العظيمة التي أرجو الله الكريم أن يهبها لعمي المغفور له/ عبدالرحمن بن صالح المحمود -رحمه الله- ذلكم ما رواه البخاري عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيراً، فقال عمر: وجبت، ثم مر بأخرى فأثنى على صاحبها خيراً، فقال عمر: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثنى على صاحبها شراً، فقال وجبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة) فقلنا: وثلاثة؟ قال: (وثلاثة) فقلنا: واثنان؟ قال: (واثنان) ثم لم نسأله عن الواحد. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وهذا الحديث على عمومه، وأن من مات من المسلمين فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً: (ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم، وغفرت له ما لا تعلمون). والثناء بالخير على الميت من جمع من المسلمين الصادقين أقلهم اثنان من جيرانه العارفين به من ذوي الصلاح والعلم موجب له الجنة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثني عليها خيراً (وتتابعت الألسن بالخير) (فقالوا: كان -ما علمنا- يحب الله ورسوله) فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (وجبت وجبت وجبت)، ومر بجنازة فأثني عليها شراً وتتابعت الألسن بالشر) (فقالوا: بئس المرء كان في دين الله) فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (وجبت وجبت وجبت). فقال عمر: فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار (الملائكة شهداء في الله في السماء) وأنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض (وفي رواية: والمؤمنون شهداء الله في الأرض) (إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر)). وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنيين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تبارك وتعالى: قد قبلت قولكم أو قال: بشهادتكم وغفرت له ما لا تعلمون). وهذا يدل على أن هذه الشهادة لا تختص بالصحابة؛ بل هي أيضاً لمن بعدهم من المؤمنين الذين هم على طريقتهم في الإيمان والعلم والصدق. وأحمد الله عز وجل على ذاك الثناء العاطر الذي سمعته وسمعه غيري من كل الناس، خصوصاً من جيرانه وممن تعامل معه، وممن عمل معهم، فكانوا يثنون عليه خيراً، والأسى يعتصر في وجوههم حزناً على فراقه.. -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-. انتقل عمي/ عبدالرحمن بن صالح المحمود. إلى الرفيق الأعلى تاركاً خلفه سيرةً عطرة تعجز الكلمات عن تسطيرها، ويضيق المقام بذكرها. ولولا إيماننا بقضاء الله وقدره لصعُب علينا المصاب، ولكن مشيئة الله تعالى التي نؤمن بها، وندرك معها أن الموت هو نهاية كل كائن حي في الدنيا، فصبرنا واحتسبنا في مصابنا الجلل، وهلت مآقينا دموعها حزناً على فقده. فمصابنا أليم، ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا عمي لمحزونون».. أسأل الله عز وجل أن يغفر له، وأن يوسع له في قبره، وأن يبدله داراً خيراً من داره، وأن يجازيه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، وأن يلهمنا الصبر والسلوان، ف إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .