إيه... الشتاء يحتدم عند أطرافه.. يجترُّ من جوفه البخار.., يبذلُ لحوافِّه اللسعَ.., وحرقة الجفاف..! مبالِغٌ في عنفوان قضِّهِ.... تصطفق به جوانحُه..! تصطك أسنانُه.. ترتجف أطرافُه..!! وعلى مدى مخيلته هناك أثرٌ «بعد عين»..! مدينته الأثيرة أنقاضٌ.. تتقد في صدره.. بيته المندثر حطامُ جمرٍ.. في جوفه يلتهب.. يلوذ لآثاره محتمياً بنارها.. يستدفئ بها.. تتساقط في رأسه المكتظ ندفُ الأسى.., تتدوَّمُ فيه شظايا الفقد..!! يزدحم كلُّ شيء في مكنونه.. دوار.. دوار..... تكبله محكمةُ الأسئلة المتسيِّدةُ جوفَه.., دوار دوار.. يفشل في الإجابات..!! وفي غابة الخوف تركض خفقاته.. سوطُ الشتاء يجلده.. لكن ثمة ما يقهر زمهريرَه في جوفه، حين تشتعل ذكرياته, فتقيم له الدار.., تعيد له المدينة.. تنطِّقُ الآثار..!! * * * سلامٌ على المدن التي اغتيلت، وعلى البشر الذين تشرّدوا..! سلام على الإنسان، على خوفه, وجروحه, ونهاره الليلي, وصقيعه الثلجي...,! سلام على ذاكرته، تصدِّر له الدفء.., تسكِّن فيه أوجاع الزمهرير..! تقيم له الأسوار,.. تقيه عاصفة الشتاء..!!