أحدثت أسعار النفط منتصف العام 2008 جدلاً بين الدول المنتجة، والمستهلكة، التي اتهمت أوبك بالمسؤولية المباشرة عن ارتفاع أسعار النفط، وتجاوزها مستويات 140 دولاراً.. وسعت الدول المنتجة، وفي مقدمها السعودية، إلى إقناع الرأي العام العالمي بأن ما حدث للأسعار لا علاقة له بالمتغيرات الأساسية، بقدر ما هو نتاج عوامل مختلفة، وفي مقدمها عمليات المضاربة المنظمة. وزير البترول والثروة المعدنية السعودي المهندس علي النعيمي أشار، في ذلك الوقت، إلى أن (ارتفاع أسعار النفط العالمية في الأعوام الأخيرة يرجع إلى تقلبات الأسواق المالية أكثر منه إلى أساسيات العرض والطلب).. بعض المؤسسات العالمية وجهت اتهامات صريحة لبنوك استثمارية ومؤسسات مالية بدورها الفاعل بالمضاربة على أسعار النفط في أسواق العقود الآجلة.. ومن ضمنها اتهامات وجهت إلى (غولدمان ساكس) على خلفية مبالغتها في توقعات أسعار النفط المستقبلية ما ساعد في زيادة حدة المضاربة على الأسعار المستقبلية. انفجرت فقاعة النفط كنتيجة مباشرة للأزمة المالية العالمية، وانهارت الأسعار إلى ما دون 50 دولاراً، في الوقت الذي حافظت فيه أوبك على مستوى إنتاجها دون تغيير.. انهيار أسعار النفط أثبت دقة ما صدر عن السعودية، تجاه أزمة أسعار النفط المتضخمة. عادت أزمة أسعار النفط للظهور من جديد، بعد أن كسرت حاجز 60 دولاراً للبرميل، وباتت السعودية في مرمى سهام الدول المنتجة الأكثر تضرراً من انخفاض الأسعار.. تغير الأطراف الخاسرة، في حالتي التضخم والانهيار، لم يسهم في إبعاد المملكة عن دائرة الاتهام.. قدر السعودية أن تتلقى سهام النقد في حالتي ارتفاع الأسعار وانخفاضها، وكأنها المسؤولة الوحيدة عن إنتاج النفط في العالم. وجهت روسيا وإيران اتهامات مباشرة للسعودية، وحمّلتاها مسؤولية انهيار الأسعار لعدم موافقتها خفض الإنتاج. اللافت، أن السعودية أول من طرح فكرة خفض الإنتاج لتجفيف فوائض النفط، وبالتالي دعم الأسعار، إلا أن اقتراحها ووجه بالرفض من قبل روسيا وبعض الدول من خارج أوبك!. لا يمكن للسعودية أن تتحمّل وحدها، مسؤولية خفض الإنتاج، ما قد يحمّلها خسائر مزدوجة، سعرية، وكمية، تؤثر على دخلها، وبالتالي حركة الاقتصاد والنمو العام. الاتهامات الروسية الإيرانية تجاوزت حدود السوق إلى الجوانب السياسية، والمؤامرات العالمية، ما دفع بوزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي إلى القول صراحة: «إن الحديث عن مؤامرات مزعومة من قبل المملكة، هو قول لا أساس له من الصحة إطلاقاً، ويدل على سوء فهم، أو مقاصد مغرضة، أو تخيلات مشوَّشة في عقول قائليها، إن سياسة المملكة العربية السعودية مبنيَّة على أسس اقتصادية بحتة، لا أقلَّ من ذلك، ولا أكثر». اتهامات روسيا وإيران وجدت صدى لدى بعض المحللين، والإعلاميين، ما حوّلها إلى مادة دسمة مدعمة بالتخيّلات لا الحقائق.. خسارة السعودية جراء انخفاض الأسعار تفوق خسارة روسيا والدول الأخرى، ما يعني أنها الأكثر تضرراً.. أعتقد أن أسباب تدهور أسعار النفط اقتصادية صرفة، ويمكن إرجاعها إلى فائض الإنتاج، تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ارتفاع الدولار، وتنامي الإنتاج من مصادر مختلفة ومنها النفط الصخري، والرملي، والأسباب الأخرى ذات العلاقة بالمضاربة في أسواق النفط. غض الطرف عن الأسباب الاقتصادية، واختلاق الأسباب السياسية، والتآمرية، لا يسهم في معالجة الوضع القائم، بل يزيد في معاناة الدول المنتجة، ويشتت الجهود، ويجعل دول أوبك أكثر تشدداً في المحافظة على مستوى إنتاجها الحالي، وهذا ما صرح به وزير النفط السعودي مؤخراً. بقي أن أقول إن إنتاج أوبك احتفظ بمستواه المعهود دون تغيير، كما أن السعودية لم تعمد إلى زيادة إنتاجها، برغم امتلاكها طاقة إنتاجية غير مستغلة في حدود ثلاثة ملايين برميل، وهي لو أرادت المساهمة في (المؤامرة المزعومة) كما يقولون، لضخت مزيداً من النفط، لتدمير السوق والدول المستهدفة.