علقت السفارة البريطانية عملها في مصر لدواعي أمنية، وهذا ليس قرارا بريئا، ولا مستقلا، فقد أصبحنا نقرأ من خلال القرارات السياسية لبريطانيا «العظمى» التوجه العام للإمبراطورية الأمريكية، فمنذ العلاقات الوثيقة بين الرئيس رونالد ريجان، ورئيسة الوزراء الحديدية مارقريت تاتشر أصبحت بريطانيا «العظمى» تابعا، نستطيع أن نقرأ من خلاله توجهات الإمبراطورية الأم وراء المحيط، إذ أضحت هناك توأمة تابع ومتبوع بين البلدين الذين تبادلا الأدوار خلال القرنين الماضيين، فالمتبوع المستعمر أصبح تابعا خانعا راضيا، وهكذا هي الحياة، فلا تدوم القوة لأحد!. منذ بداية التثوير العربي، كتبت وقلت إن ما يجري في عالمنا المنكوب لم يكن ثورات، بل تثوير، وهذا أحد أسباب فشلها الذريع في كل الدول التي تورطت بها، وحتى عندما تمكن الجيش المصري، وبمساعدة من حكماء العرب من حرف المسار، وإعادة الاستقرار، والأمن إلى مصر، لا تزال محاولات المخططون، ووكلائهم في عالمنا العربي جارية لحرف المسار، مرة أخرى، ولإعادة التثوير بأشكال عدة، فمن قنوات فضائية «استخباراتية» موجهة تفتعل أحداث لا وجود لها، إلى تقارير تكتبها منظمات دولية مشبوهة، ويأتي إغلاق بريطانيا «العظمى» لسفارتها في القاهرة في هذا الإطار التثويري، والذي لن يتوقف، ولا نظنه سيتوقف، فقد راهنوا على تفتيت هذا العالم المنكوب أصلا، وهدم بنيانه، ولن يستسلموا بسهولة لإرادة الشعوب التي فهمت اللعبة تماما، وصار الأمن والاستقرار والتنمية هو مطلبها الوحيد. هل نذكركم بتقارير مجلة الفورين بولسي الأمريكية، والتي مجدت من خلالها أقطاب الإسلام السياسي، كراشد الغنوشي، وخيرت الشاطر، وعاملهم في ميدان التحرير، الغلام وائل غنيم، مع أنها من أشرس أعداء الإسلام!!، أو نذكركم بالتسريبات التي تحدثت عن لقاءات وزير الخارجية الأمريكي الحالي، جون كيري مع قيادات الإسلام السياسي، وذلك قبل أن يبدأ التثوير العربي، وقد كانت لقاءات حميمية للغاية!!، وماذا لو تذكرنا الموقف الأمريكي من ثورة الشعب المصري الثانية على الرئيس محمد مرسي، فقد وقفت إدارة اوباما ضد إرادة الشعب المصري، مع أنه ذات الشعب الذي طلبت ذات الإدارة من الرئيس مبارك التنحي من أجله!!، ويخطئ من يعتقد أن أمريكا، ومن ورائها ستستسلم لإرادة الشعب المصري، وستتوقف عن دعم الإسلام السياسي، كما يخطئ من يعتقد أن الوكيل العربي الحصري للتثوير العربي سيستسلم هو الآخر، ويخطئ بالمثل من يعتقد أن الفضائية العربية الاستخباراتية ستتوقف عن دعم الإسلام السياسي، وقد كان مفتي التثوير العربي، يوسف القرضاوي صريحا، وواضحا حينما كتب - قبل أيام - طالبا من أنصاره الصمود، ومبشرا لهم بأن الحرب كر وفر، وأن العاقبة للمتقين، والمتقين هنا هم أتباع الإسلام المسيس، وفي النهاية، يتساءل معلق ساخر عن سر إغلاق بريطانيا لسفارتها في القاهرة تحديدا، مع أنها لم تفكر في إغلاق سفارتها في أنقره، رغم أن الأحداث في الأخيرة كانت أكثر صخبا، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، وأبشري بطول سلامة يا أرض الفراعنة!!.