ذهب الفارس الذي امتطى جواد الكرم والجود بدماثة أخلاقه ومحبة الناس له. ذهب الذي يرسم الابتسامة والسرور على وجوه المرضى ومرافقيهم من جميع مناطق المملكة. فلقد عرفته عن قرب في سن مبكرة، وتعلمت منه الكثير، فقد كان بمنزلة الأخ لوالدي - يرحمهما الله جميعاً -. ففي أحد أيام الربيع الممطرة، وبينما كنت جالساً في بيت الشعر في مجلسه المقابل لمنزله - يرحمه الله - إذا بنا نسمع صوت سيارة صالون تقف أمام البوابة المفتوحة دائماً في كل الأوقات، وإذا برجل كبير في السن يدخل علينا ومعه اثنان من أبنائه ممسكان به يمنة ويسرة وهو ينادي بأعلى صوته: «هذا بيت شبيب البلوي؟». فنهض أبو علي واقفاً من خلف المشب والدلال، وقال لهم «وصلتم يا الله حييهم». وأخذ الرجل يقص قصته، وأنهم قادمون من منطقة تبوك، وأنه مقعد على الفراش منذ أشهر، ولا يستطيع المشي، وأن ابنَيْه أعدَّا له مفرشاً في مؤخرة الصالون أثناء قدومهم إليه. وأخذ يسرد معاناته وأبو علي ينصت إليه، فقال له - يرحمه الله -: «بسيطة إن شاء الله. تقهوا واقدع وتيسر أمورك إن شاء الله». وبعد أن تناولوا القهوة أخذ يتلمس فقرات ظهره، ووجد أن هناك إحدى الفقرات خارجة عن موقعها الطبيعي، فأرجعها إلى مكانها، ونهض الرجل على قدميه، وأخذ نفساً عميقاً، وبدأ يلهج بالدعاء، وخرج يقود سيارته بابنَيْه. وهناك العديد من المواقف الإنسانية المشابهة لهذه القصة. فنحمد الله أن خلف من بعده أبناء صالحين سائرين على نهج والدهم - يرحمه الله رحمة واسعة -.