قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(23 - 24) سورة الإسراء. لا هم لها إلا طفلاها الصغيران توفي الأب وخلف من بعده ذرية ضعافاً، كانت هي تقوم بمقام الأب والأم معاً إذ عليها ان تعمل لتحصل على المال ومنه تجلب الطعام ليقضي على الم الجوع ويقهر لهيب العطش، وتوفر ما بقي منه ما يستر الجسد من لباس، كل هذا كان حملاً عظيماً عليها، ولد عمره ثلاث سنوات وبنت عمرها عام واحد. وليس لها معين إلا الله، أصبحت وكأنها غريبة في وسط قريتها التي نشأت فيها بعد رحيل زوجها عن الدنيا، إذ انها كانت يتيمة الأب والأم ولكنها مؤمنة بقضاء الله وقدره. وبعد انتهاء عدتها ومكوثها أربعة أشهر وعشراً، وفي عصر ذات يوم جاءتها امرأة من جيرانها وتقول لها إن أخي يريدك زوجة له فهل تقبلين.!؟ مرت أسابيع قليلة ولم ترد الجواب على تلك المرأة، وعادت إليها تسألها ما بالك لقد تأخرت بالرد علينا.! قالت لا أريد الزواج الآن.! وسأظل أعتني وأربي ابنيّ حتى يكبرا ولا أريد أن أنشغل عنهما أبداً، بعد أن فكرت كثيراً في حالها وما مصير طفيلها..! أمضت ليالي تفكر كثيراً فيما حالها وحال الصغيرين فيما لو قررت الزواج من رجل آخر..! وبعد أن رأت أنها لا حاجة لها للبقاء في القرية قررت بيع منزلها والاستفادة من المال الذي يردها من بيع البيت الذي تختزل فيه ذكريات زوجها وقد كان صعباً عليها ولكنها جعلت أمامها هدفاً ولا بد من التضحية، وفعلاً بادرت بتنفيذ فكرة بيع البيت وقد باعته بمبلغ جيد يضمن لها وأسرتها العيش بكرامة ولسنوات قادمة، وسكنت في المدينة والتحق ابناها بالمدرسة وتصرف عليهما من مال البيت الذي بيع في القرية وظلت هكذا حتى كبرا والتحقا بالجامعة ودرسا وتعلما حتى حان موعد التخرج من الجامعة والنجاح حليفهما. التحق الابن بالوظيفة في احدى الشركات الكبيرة والبنت أصبحت معلمة في مدارس البنات الابتدائية في المدينة. وفي ليلة وهم يعيشون الفرحة معاً، بكت الأم وأبكت ابنيها اليتيمين معها وانحنى الابن لتقبيل قدم أمه ولحقت به اخته تقبل جبينها ويشكرانها على تضحيتها لهما وحسن تربيتهما، بعد ان اخبرتهما بقصتها كيف عاشت وحيدة بعد فراق والديها وفقد زوجها ومعينها في الحياة بعد الله تعالى، وامضوا جميعاً تلك الليلة في بكاء السعادة والفرحة رافعين أكف أيديهم للمولى شكراً وعرفاناً على ما قدره لهم وكانت ليلة مشهودة وعظيمة ولا تنسى أبداً.