قرأنا في صحيفة الجزيرة مؤخرا عن وصول أولى المساعدات الإغاثية السعودية إلى مطار الخرطوم الدولي في طائرة شحن سعودية تحمل المساعدات الغذائية والإغاثية التي وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بتقديمها إلى جمهورية السودان لمساعدة المتضررين من السيول والفيضانات. فالحمد لله والمنة أن جعل بلادنا عونا لأشقائها وقت الشدائد، فالمملكة لن تدخر جهدًا لمساعدة المنكوبين وإغاثة الملهوفين والتخفيف من معاناة المحتاجين استشعارًا للواجب الديني والأخلاقي والإنساني الذي تلتزم به في مساعدة الدول والشعوب المحتاجة في مختلف أنحاء العالم. وتنطلق أعمال المملكة في مجال العمل الإنساني على المستويين الإقليمي والدولي، من مكانة المملكة، حيث تحتضن الحرمين الشريفين مهد الإسلام ومنطلق رسالته، ومن القواعد الثابتة التي انطلق منها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - المبنية على التقوى والرحمة والمحبة والعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعم المسلمين والتعاون الإنساني على الخير. فالمملكة قيادة وشعبًا تدعم العمل الخيري. وفي مشهد إخاء آخر فمنذ بداية الأزمة السورية والمملكة تدعم كافة الجهود الهادفة إلى مساعدة وحماية المهجرين واللاجئين من إخوتنا السوريين، وتقديم كل ما يدعم جهود الدول المضيفة لهم. فمنذ بداية هذه الأزمة، والجانب الإنساني فيها، وخصوصا قضية اللاجئين، تحظى بأولويات المملكة، لقد قدمت المملكة على المستويين الرسمي والشعبي نحو 500 مليون دولار كمساعدات مباشرة لدعم جهود إغاثة الشعب السوري سواء داخل سورية، أم في دول الجوار. وتستضيف المملكة منذ بداية الأزمة عددا كبيرا من السوريين الزوار، ويحظى هؤلاء الزوار بالرعاية الصحية المجانية، ويلتحق أطفالهم في مراحل التعليم العام. كما أعلنت المملكة تقديم ثلاثة آلاف منحة دراسية للطلاب السوريين في الجامعات الحكومية السعودية، كما دعمت المملكة كافة قرارات الأممالمتحدة، ومنظماتها الإنسانية الهادفة لتقديم المساعدة والحماية للاجئين السوريين. وقد رسمت المملكة صورة مغايرة للعمل الإنساني والإغاثي وأخلاقياته، وكرست جهودا متميزة مفعمة بالعطاء والروح الإنسانية التي تقدر وتعي وتدرك قيمة الإنسان، أيا كان لونه ودينه وأصله، وهي الجهود التي لايزال يذكرها أولئك الذين لمسوها وعاشوها وخففت من آلامهم وداوت جروحهم، في مختلف القارات لاسيما في وطننا العربي والعالم الإسلامي من خلال قنوات شرعية ومؤسسات رسمية أبرزها رابطة العالم الإسلامي والجمعيات والهيئات الإغاثية في مجال العمل الخيري وفي إغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية والحروب في العالم، والجمعية العامة لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة للرابطة والتي كان لها أثر كبير في تمكين الجهات المختصة في الأعمال الخيرية والإغاثية من القيام بمسؤولياتها الإنسانية والحضارية محليا وعربيا ودوليا. ومع استمرار مسيرة الخير والعطاء التي جسدها المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وأبناؤه البررة من بعده الذين حافظوا بدأب على هذه المسيرة ولايزال يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، نجد أن برامج المساعدات الإنسانية وضعت المملكة في المراكز الأولى بين جميع دول العالم على مستوى تقديم المنح والمساعدات والإغاثة، حيث تشير الإحصاءات إلى أنها تتصدر جميع دول العالم في نسبة ما تقدمه من مساعدات بالنظر إلى إجمالي دخلها الوطني. ففيما قررت الأممالمتحدة أن تقدم الدول المانحة نسبة (0.7 %) من إجمالي دخلها الوطني كمساعدات للدول النامية والفقيرة، نجد أن ما قدمته المملكة من مساعدات إغاثية عبر القنوات الثنائية والإقليمية والدولية بلغ نحو (245 مليار ريال) في الفترة من 1973 إلى 1993م، ومثلها خلال العشرين عاما الماضية أي ما يعادل نسبة (5.5 %) من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج الوطني في تلك الفترة مساعدات للمحتاجين. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن المملكة تجاوزت هذه النسبة إلى أكثر من (6 %) من دخلها القومي، بينما لا تمثل المساعدات الإنسانية سوى 5.1 في المائة من الدخل القومي لدولة في ثراء الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلى مستوى الكوارث العاجلة التي تصيب الدول العربية والإسلامية، فإن المملكة كانت ومازالت سباقة إلى الإسهام في التخفيف عن المصابين بالزلازل والفيضانات والسيول، ففي قارة أفريقيا قدمت 618 مليون ريال مساعدة لسبع دول أصابتها الكوارث، كما ساندت في قارة آسيا دولا إسلامية وقدمت لها نحو 850 مليون ريال، وبلغ ما قدمته من مساعدات غير مستردة وقروض ميسرة نحو 77 ألف مليون ريال، خصصت لتنفيذ برامج ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في 35 دولة إسلامية. وطبقا للتقارير الدولية والإقليمية فإن المملكة احتلت المركز الثاني في العالم من حيث قيمة الحجم المطلق للمساعدات «أي قيمة المساعدات الإجمالية» خلال معظم سنوات الفترة من 1973 إلى 1987م، والمركز الرابع من بين الدول المانحة خلال السنوات من 1982 إلى 1986م. أما البعد العالمي في برامج المساعدات السعودية فيتضح من خلال اتساع الرقعة التي تغطيها هذه المساعدات حيث تصل لأكثر من مائة دولة على مستوى العالم. ويؤكد المراقبون أن عون المملكة يغطي أكثر من 70 في المائة من دول العالم، وهو ما يعني أنه يهدف إلى إعانة الإنسان بصورة مطلقة وبالمعنى الشامل، ومع أنها تعطي مبدأ (الأقربون أولى بالمعروف) حقه، إلا أن المعونات السعودية لا تتجه فقط إلى الدول العربية والإسلامية الشقيقة ولكن إلى المحتاجين في مختلف أنحاء المعمورة. وإذا كانت المملكة بسياستها الحكيمة الإنسانية قد اختارت أن تكون صاحبة أضخم حصة عالمية في تقديم العون والمساعدات الإنسانية، فإن حصر بعض تفاصيل هذه الحصة الهائلة يضع برامج المساعدات السعودية في المقدمة من حيث الكم والكيف.