حلّق صقورنا الخضر مساء الأحد الماضي بين غيومٍ ماطرة وأجواء ساحرة، فكانت روعة المشهد مضاعفة على أرض الملعب وفوقه. ما زلتُ مصراً على أننا نملك المنتخب الأفضل عناصرياً بلا مقارنة؛ فكل منتخب خليجي يتغنى بنجمٍ واحد أو نجمين على الأكثر، في حين أننا نتمتع بوفرة نجومٍ يحتار معها الجميع عند وضع التشكيلة الأساسية من وجهة نظره الخاصة. اللافت للنظر أن المنتخب رغم كل ما سبق تستطيع تلمّس التوتر والرهبة المبالغ فيها لديه في أوجه اللاعبين ومدربهم. فالمنتخب لا يبحث عن الفوز وتحقيق اللقب طمعاً في مجده، بل إنه يبحث عن الهروب من الخسارة، وما يتبعها من معلقات التهكم والسخرية، وحتى الشماتة. وليت ذلك كله يأتي من المنافسين، بل إن مصدره من الداخل، ومن أهل الدار أنفسهم. وشتان بين الباحث عن الانتصار والهارب من الهزيمة. فالأول يدفعه طموحه دفعاً للتغلب على كل ما يعيقه عن تحقيق هدفه، وهو القادر على القيام فوراً بعد أي تعثر. فالهدف واضح، ولا بديل له. وأما الثاني فيدخل اللقاء كقصر شامخ، لكنه مصنوع من الورق، وأي هزة عارضة ستكون قادرة على هدمه ومساواته بالأرض. نحن من أوصلنا أنفسنا لذلك المستوى، ونحن من أعمتنا مساحة الحرية ومبدأ جَلْد الذات عن تلمُّس مَوَاطن الجَمال والتميز في كل ما يخصنا. أحقاد يقودها التعصب، سعت لسنوات طوال لشرعنة الكراهية، والتقليل من كل شيء، وتشويه كل حسن. منظر الجهلة في مدرجات المنافسين وهم يرفعون أعلام أنديتهم ضد منتخب بلادهم أصبح مثار تندرٍ وسخرية من الأشقاء الخليجيين. بل تعدى ذلك لمرحلة التشاؤم من وجودهم بينهم. لكن تلك الحماقات ليست هي سبب التعصب، بل هي نتاجه المنطقي. وإن لم يتم تدارك الوضع، ولم يتم الضرب بيد من حديد على كل من يتجرأ على أن يجاهر بكراهية وطنه أمام الملايين، فاستبشروا بمنتخب بلا مشجعين. الرياضة هي واجهة المجتمع، تحكي تفاصيله وتناقضاته، تظهر كل ما فيه من مساوئ ومحاسن، تقود الفكر وتصنعه، وتزرع في الأنفس من القيم والمبادئ ما عجز عن إيجاده معلمٌ أو محاضر. لسنا بذاك السوء الذي نظن. لسنا أقل وطنية مما نعتقد. لسنا سفراء للقبح والكراهية كما يريد لنا الجهلة. نحن أبناء وطنٍ ينضح جمالاً ورقياً وكرماً يندر وجود مثله. ولحفظ كل ذلك وتسطير رسالتنا للجميع، يجب أن نشطب من قصيدة وطننا كل بيت شاذ، أو شطرٍ قبيح. فالحفاظ على الأبيات الجميلة ومسح المسيء منها أفضل بكثير من حرق القصيدة بأكملها. خاتمة... ومن لم تكن أوطانه مفخراً له فليس له في موطن المجد مفخرُ ومن لم يكن دون أوطانه حِمى فذاك جبان بل أخسُّ وأحقر (الكاظمي)