أخيراً، وبعد مخاض عسير، قررت حركة النهضة التي لم تتقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية ملازمة الحياد، وعدم مساندة أي من المترشحين ال25 المتراهنين على كرسي قرطاج يوم 26 نوفمبر الجاري. وبذلك تكون الحركة قد تركت الرئيس الحالي المنصف المرزوقي مرشح حزب المؤتمر الحليف الأكبر للترويكا المستقيلة وحيداً في مواجهة خصومه، وألدهم الباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس الفائزة بالمركز الأول في التشريعية. وتقدّر الإحصائيات ولغة الأرقام المخزون الانتخابي لحركة النهضة بنحو 800 ألف ناخب، كان أغلب المترشحين المتحزبين، عدا السبسي، يأملون بكسب أصواتهم. وكان رئيس مجلس الشورى في حركة النهضة فتحي العيادي قد أعلن منتصف الليلة الفاصلة بين الجمعة والسبت بعد اجتماع مطول للمجلس موقف الحزب النهائي من الشخصيات المترشحة للانتخابات الرئاسية؛ إذ دعا الناخبين إلى «تحكيم ضمائرهم وانتخاب شخصية تحافظ على النظام الديمقراطي، وتضمن عدم التغول عبر التصويت»؛ وهو ما يعني آلياً اختيار الحياد الإيجابي. وكان شورى النهضة، أعلى سلطة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر العام، قد شهد نقاشات مستفيضة وفق بعض التسريبات، وصلت حد التلاسن بين توجهين رئيسيين: فقد ارتأى البعض الدفع نحو دعم الرئيس الحالي المنصف المرزوقي في السباق الرئاسي، فيما صوّتت الأغلبية على خيار الحياد وفتح المجال لأنصار النهضة الذين سيختارون في كنف الحرية، ودون وصاية من قيادة الحركة، رغم أنّ خطاب الحزب يعكس رؤية مناهضة بشكل مبطّن لبعض الشخصيات المترشحة، ومن أبرزها مرشح نداء تونس الباجي قائد السبسي. وكان بعض المراقبين والمحلّلين يرون أنّ شخصيات مثل الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي والمترشح المستقل ونائبها في البرلمان الجديد محمد الفريخة يمكن أن تحظى بدعم قواعد الحركة التي يبدو أنّها خيّرت عدم المغامرة ومساندة أحد المنافسين لمرشح حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي ينطلق بحظوظ وافرة للصعود على الأقّل إلى الدور الثاني وفق العديد من المؤشرات والمعطيات السياسية والانتخابية. وفي السياق ذاته، وكأن الرياح تمشي بما لا يشتهيه المنصف المرزوقي، الرجل الحقوقي والمناضل الشرس والعدو اللدود لنظام ابن علي، فقد انطلقت «ماكينة» نداء تونس في العمل بعد أن نشر الموقف النهائي لحركة النهضة التي يقال إن قيادتها خضعت لضغط قواعدها الشبابية بالخصوص؛ إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديوهات التي توضح أخطاء المرزوقي، سواء في خطاباته خارج أرض الوطن أو في تصريحاته الاستفزازية في الداخل، وأساساً تجاه الإعلاميين والتجمعيين ورموز العهد السابق كافة. وبذلك فإن حظوظه اليوم قاربت على الصفر بعد أن كان مطمئناً ومتأكداً من دعم النهضة له في سباقه نحو الرئاسية، معولاً في ذلك على القواعد الشبابية للنهضة التي ترى فيه أفضل منافس لنداء تونس الذي يضم أكبر نسبة من المنتمين للتجمع المنحل. ويرى الملاحظون أن المرزوقي دفع مسبقاً فاتورة معارضته للنهضة منذ الأسابيع الأولى لجلوسه على كرسي قرطاج إبان حادثة تسليم البغدادي المحمودي آخر وزراء القذافي؛ إذ يذكر التاريخ أنه خرج إلى الإعلام مستنكراً انفراد حمادي الجبالي رئيس حكومة الترويكا الأولى مستنكراً عدم استشارته قبل عملية تسليم البغدادي إلى السلطة الانتقالية الليبية بعد عزل القذافي ومقتله.