أعلنت الجهات الأمنية السعودية على لسان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية عن إلقاء القبض على (15) شخصاً ومقتل (3) ممن لهم علاقة بالجريمة الإرهابية بقرية الدالوة بمحافظة الأحساء، والتي ذهب ضحيتها (8) شهداء و(9) جرحى من المشاركين في إحياء ذكرى عاشوراء، وشملت عملية المداهمات الأمنية (6) مدن مختلفة من المملكة، وقد استشهد في المواجهات المسلحة مع الإرهابيين اثنان من قوات الأمن كما جرح اثنان منهم. إزاء هذه الجريمة النكراء عبرت مجاميع وشرائح واسعة من المواطنين على اختلاف منحدراتهم المذهبية والمناطقية عن استنكارهم وشجبهم القوي للجريمة البشعة الموجهة ضد أناس أبرياء عزل، كما اعتبرتها تستهدف في الصميم أمن الدولة، و الوحدة الوطنية والعيش المشترك، والسلم الأهلي - المجتمعي. مع أهمية المواجهة الأمنية الحازمة مع المجموعات الإرهابية في بلادنا، والتي باتت لها امتدادات متداخلة مع مجموعات مماثلة باتت تنشط ويستفحل خطرها في دول الجوار العربي والإقليمي، مهددة بإعادة صياغة الواقع الجيو/سياسي، وتفتيت وتقسيم المنطقة العربية وفقاً لهويات مذهبية وعرقية وجهوية، وتحت مختلف المسميات، وهو ما يلتقي مع المصالح الإستراتيجية لإسرائيل وبعض الدول الكبرى في المنطقة وخارج المنطقة، لكن من المهم إلى جانب ذلك، والذي بات يمثل ضرورة الراهن، هو وضع الفأس عند الجذر، والعمل على تجفيف المحاضن الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة لظاهرة صعود وتناسل التنظيمات الإرهابية/ التكفيرية، والتي تستند إلى فهمها الأيدلوجي المنغلق للدين، وتوظيفه بصورة انتهازية ونفعية، في خدمة مشروعها وبرنامجها السياسي الدنيوي، الذي يستهدف التغير الراديكالي وفقاً لنظرية «الفوضى الهدامة « من خلال العمل بالقوة على إسقاط الحكومات وتغير المجتمعات «الجاهلية» أو «الكافرة» التي لا يحكمها الإسلام، ولا تتمثل تعاليمه وفقاً لتصورها، خلال انتهاج منهج الإقصاء والتكفير والعنف والإرهاب، الذي يستحل دماء الآخر، ويبرر الممارسات الوحشية كسبي النساء والأطفال وبيعهم في سوق الرقيق، في تجاهل متعمد لقوله تعالى{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } (32) سورة المائدة. نستعيد هنا ما صرح به الدكتور توفيق السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد، في الحوار الذي أجراه معه الصحافي السعودي «خالد الباتلي» في صحيفة الحياة، حيث يقول « إن المشهد الإسلامي في السعودية اختطف في فترة من الفترات وتأثر بأيديولوجيات بشرية أسهمت في خروجه عن المسار الصحيح له، مما تسبب في اختلال تناغم المجتمع السعودي وتسامحه «.. وأوضح « أن هناك لصوص دين هم أخطر على المجتمع من لصوص الدنيا، وخطرهم أكبر لأنهم يخدعون الناس بأحب شيء لديهم، وتعريتهم لا يمكن أن يتصدى لها تيار واحد أو شخص أو مجموعة من الأشخاص، بل لا بد من تضافر جهود أكثر من جهة ليكون العمل وفق منظومة متناغمة، والأهم من ذلك كله هو وجود قناعة لدى السياسي بذلك وفي شكل واضح «. نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح وتطوير الخطاب الديني الذي يتضمن التمييز ما بين الدين والدنيا وفقاً للقول المأثور للرسول الأعظم «أنتم أدرى بشئون دنياكم» وهو ما يستوجب حظر تسييس وأدلجة النشاط الدعوي والخيري، والخطب في المساجد، والعمل على تطوير المناهج التعليمية بشكل عام والمناهج الدينية بوجه خاص، كما يتطلب سن التشريعات التي تجرم خطاب الكراهية والتكفير والإقصاء، والعمل على ترسيخ قيم التسامح والانفتاح على العصر، وتقبل فكرة التعددية الفقهية والمذهبية والفكرية والثقافية. علينا استيعاب واقع كون الهويات الفرعية في كافة البلدان معطى تاريخي وموضوعي قد تتراجع أو تتقدم وفقا للظروف العامة السائدة والمحيطة، وبالتالي لا يمكن لأية جهة مهما كانت أن تشطبها أو تلغيها بشكل إرادوي، غير أنه في ظل التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على ترسيخ مقومات الهوية الجامعة، العابرة والمتجاوزة للهويات الفرعية، والتي تتجسد في ترسيخ الوحدة الوطنية / المجتمعية، المستندة إلى المواطنة المتساوية، باعتبارها الخيمة الكبرى التي يستظل تحتها الجميع، وبالتالي ستكون سداً منيعاً إزاء شتى المخاطر والمؤامرات.