أصدر الرئيس التنفيذي لشركة قوقل الأمريكية، لاري بيج قراراً قبل أكثر من أسبوعين صُنف بأحد أغرب القرارات في تاريخ الشركة الأمريكية التي نشئت قبل حوالي العقد والنصف من الزمن. أسند لاري بيج لنائبه المهندس من أصول هندية سانداربيتشايمهام الإشراف على قطاعات محرك البحث والخرائط وقوقل بلس والتجارة الإلكترونية والإعلانات والبنية التحتية، بالإضافة إلى إشراف ساندار السابق على قطاعات الأندرويد والكروم وتطبيقات قوقل (الذي يشمل تطبيقات جي ميل وقوقل درايف وغيرها الكثير). هذا القرار الذي شكل صدمة لموظفي شركة قوقل قبل متابعيها يعني أن ساندار بيتشاي أصبح الرجل الثاني في الشركة. أيضاً هذا القرار هو مؤشر على قرب تولي المهندس الشاب دفة القيادة بالشركة ممثلة بمنصب الرئيس التنفيذي الذي يشغله حالياً لاري بيج. لكن ما الذي دفع لاري بيج إلى التخلي عن جميع صلاحياته وتسليم مفاتيح الشركة ممثلة بمنتجاتها الأقوى بيد بيتشاي؟ من هو ساندار بيتشاي أصلاً؟ ولماذا يلقى كل هذا الاهتمام؟ وهل عرضت عليه شركة مايكروسوفت منصب الرئيس التنفيذي؟ ولماذا يعتقد المتابعون بأن مستقبل قوقل بين يدي هذا المهندس الهندي؟ في أواخر عام 2010، دفعت شركة قوقل مبلغ مائة مليون دولار أمريكي، ممثلة في مبالغ نقدية وحصص أسهم للمحافظة على أحد موظفيها، الذي تلقى عرضاً يسيل له اللعاب من شركة تويتر الأمريكية. ذلك الرجل الذي استلم هذا المبلغ الخيالي وتنازل عن عرض تويتر بتولي أحد المناصب القيادية بالشركة لم يكن إلا ساندار بيتشاي وكان يبلغ حينها السابعة والثلاثين. ساندار حصل على شهادة البكالوريوس في هندسة البرمجيات من أفضل الجامعات التقنية بالهند ممثلة بجامعة آي أي تي بأواخر التسعينات الميلادية، ومن ثم شد الرحال إلى أرض الأحلام الولاياتالمتحدةالأمريكية ليحصل على الماجستير من جامعة ستانفورد العريقة (نفس الجامعة التي درس بها مؤسسي قوقل) ومن ثم أضاف شهادة ماجستير أخرى في إدارة الأعمال ليلتحق سريعاً للعمل كمهندس بإحدى الشركات الصغيرة وبعدها بأشهر إلى شركة قوقل في عام 2004. كانت أولى المشاريع التي تولى بيتشاي العمل عليها، هو شريط الأدوات الشهير لقوقل، وهو الأداة التي كان مستخدمو برنامج إنترنت اكسبلورر يعتمدون عليها للوصول إلى محرك البحث قوقل. شكل ذلك الشريط الصغير أول أسلحة شركة قوقل الناشئة في ذلك الوقت لغزو أجهزة مستخدمي التقنية حول العالم. ساندار بيتشاي تمكن من تحويل شريط أدوات قوقل إلى سلاح فتاك تمكنت قوقل به من السيطرة على سوق محركات البحث وأنهت به سيطرة محرك بحث ياهو وغيرها من محركات البحث البائدة. استفادت قوقل كثيراً من المعلومات التي يضخها ذلك الشريط الصغير في دراسة طقوس وعادات مستخدميها وتمكنت من تطوير لوغاريتم محرك البحث الخاص بها ليكون الأول والوحيد بالعالم بلا أي منافسة تذكر. ساهم النجاح الساحق الذي حققه شريط الأدوات من ذيوع صيت ابن الهند التاملي (نسبة إلى مسقط رأسه تاملنادو) وأصبح محط أنظار أعضاء مجلس الإدارة بشركة قوقل. في عام 2008 وبعد أربعة سنوات من انضمامه إلى الشركة، ظهر ساندار بيتشاي لأول مرة في أحد مؤتمرات قوقل ليعلن عن إطلاق متصفح قوقل كروم الذي احتل قبل عام ونصف المرتبة الأولى عالمياً مطيحاً بمتصفح مايكروسوفت الذي سيطر على ميدان الإنترنت لمدة تزيد عن 13 عاماً. أطلق فريق بيتشاي بعدها نظام تشغيل قوقل كروم ليكمل منافسته لشركة مايكروسوفت في عقر دارها. تمكنت قوقل من احتلال المرتبة الأولى بين محركات البحث بسبب ذلك الشريط الصغير، ومن احتلال المرتبة الأولى بين برامج تصفح الإنترنت، ومن الدخول بقوة في سوق الحاسبات الشخصية بفضل نظام قوقل كروم. كل ذلك يعود إلى ساندار بيتشاي. هذا التفوق الملحوظ والقدرة السحرية التي يمتلكها بيتشاي بتحويل المنتجات التي يشرف عليها من منتجات ناشئة إلى الأولى في مجالها جعلت لاري بيج يختاره كساعده الأيمن في عام 2013 ويسند له مهمة الإشراف على قطاع الأندرويد وهو الذي يمثل القطاع الأهم بعد قطاع البحث بالشركة. أعلن بيتشاي بعد شهور من توليه لقطاع الأندرويد عن التحديث الأضخم في نظام الهواتف الذكية ممثلة بالجيل الخامس الذي سمي ب»لولي بوب «المصاصة» وأيضاً عن تطوير نظام الأندرويد عبر إطلاق نسخة مخصصة ليشمل الساعات الذكية وأيضاً الأندرويد للسيارات. وبعد عام واحد من استلام بيتشاي لقطاع الأندرويد بالشركة، يسلمه الرئيس التنفيذي مهمة الإشراف «تقريباً» على جميع منتجات الشركة المتبقية. مواصفات بيتشاي التي مكنته من احتلال هذه المرتبة العظيمة تتمثل بذكائه الفطري الشديد ومعرفته التقنية المتطورة وقدرته على اقتناص المواهب الشابة للعمل في فريقه حيث لا يرضى إلا بأفضل العقول بغض النظر عن العرقية واللون. وأخيراً طبيعته الهندية المسالمة التي أبعدته عن خوض الصراعات في شركة متشبعة الصلاحيات ومتعددة الامتيازات مثل قوقل حيث كان دائماً مثال للموظف المتواضع الذي يقف في صف موظفيه ويدافع عنهم بضراوة. يذكر أحد موظفيه بأن بيتشاي كان ينتظر بالساعات أمام مكتب ماريسا مير (المديرة السابقة بقوقل التي تشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي بشركة ياهو) ليضمن حصول فريق عمله على زيادة سنوية مجزية نظير عملهم. بالمختصر المفيد، ساندار بيتشاي أصبح الرئيس التنفيذي بقوقل مع وقف التنفيذ. سبب هذه الترقية يرجعها لاري بيج الرئيس الحالي إلى رغبته بالتركيز على «الصورة الكبيرة» بالشركة بينما يتولى بيتشاي المهام اليومية الدقيقة. قد يكون حصول بيتشاي على هذه المرتبة العظيمة بمثابة تدريب مسبق وتجربة حقيقية لتوليه منصب الرئيس التنفيذي بالأشهر القادمة، وقد يكون محاولة للحفاظ على موهبة بيتشاي من التسرب لخارج أسوار الشركة حيث ترددت شائعات بأن شركة مايكروسوفت عرضت عليه تولي دفة القيادة بالشركة في إطار بحثها عن رئيس تنفيذي في بداية العام الجاري. ساندار بيتشاي يمثل كنزاً حقيقياً لشركة قوقل وشخصية فاعلة ستشكل معالم وتفاصيل المستقبل القريب للشركة الأمريكية ولتاريخ التقنية البشرية وأخيراً يمثل بجدارة أحد أشكال غزو العقول الهندية للشركات الأمريكية. ساندار بيتشاي. تذكر هذا الاسم جيداً.