أدب الرسائل فن من فنون الأدب استأثر باهتمام كثير من طبقات مثقفي العالم القديم والحديث، وعني به أعلام بارزون عبر أطوار الثقافة، ولقد أتحفني الصديق الأستاذ بندر بن عثمان الصالح بنسخة من السفر الجميل: رسائل الشيخ عثمان الصالح -رحمة الله- وهي رسائل ومكاتبات تعكس روح الشيخ الذي سخر حياته منذ البداية لحمل لواء العلم والفكر والثقافة، حيث كان يرى أن العلم هو سلاح المرء وأن المعرفة هي الهدف الذي يرفع صاحبه نحو العلم، لقد كان الشيخ عثمان علماً من أعلام التربية وقنديلاً من قناديل التعليم وشخصية محبوبة وواجهة من واجهات البلاد، محباً لدينه ووطنه وأمته، وله حضور دائم في المناسبات الثقافية والاجتماعية، لقد جاءت رسائله تفيض بالنصح والتوجيه والخير والمودة وعبق المحبة، لقد أحسن الصديقان الفاضلان خالد بن حمد السليمان وبندر بن عثمان عندما أعدا هذه الرسائل وأصدراها في السفر النفيس، وقد جاءت الرسائل متنوعة في موضوعاتها، ولقد كان الشيخ يحب الناس فأحبه الناس، وما رأيته جالساً إلا ومعه كتاب يقرأه ويكتب باستمرار جملة من الرسائل، ويعد بعض القصائد والمقالات، وكان معلماً ومربياً بأفعاله قبل أقواله وكانت روحه تشع بالخير وقلبه ينبض بالحب، وكنا نلتقي في داره، حيث كانت منتدى للفكر والعلم، كنت ممن سعد بالجلوس معه، ومصاحبته في كثير من الرحلات داخل المملكة وخارجها، كان يتحفنا بالأحاديث الودية والذكريات التاريخية والقصائد الجميلة، ولدي عشرات القصائد الإخوانية التي كان يتحفني بها في كل مناسبة أو زيارة أو صدور كتاب أو مقالة، حيث يبادر بالرد السريع والتعليق الدقيق والملاحظات الموضوعية، وكلما جلسنا معه تطارحنا الشعر وتحدثنا عن التاريخ والتعليم والتربية والأدب، إن الذين يعرفونه يدركون ما قدم لوطنه من عطاء ثري في ميدان التعليم ومجال التربية والأدب: وما اثنينيته الشهيرة إلا واحدة من مآثره الطيبة، حيث كانت مهوى أفئدة شداة الأدب ورواد العلم والفكر، لقد أحسن الصديقان بنشر صور الرسائل بخط الشيخ وخطوط المرسلين إليه توثيقا لها، لقد اشتملت هذه الرسائل على مرحلة من مراحل حياتنا وصورة من صور المجتمع حين كتابتها وتعطي صورة عن علاقة الطالب واحترامه لأستاذه واحترام وتقدير الطلاب لمعلميهم.. إنها لصور رائعة للعلاقة المتينة بين المعلم وطلابه، حيث كان الطلبة يزورون أستاذهم ومعلمهم ويكنون له الود والتقدير والوفاء والإخلاص..عاد الله تلك الأيام الجميلة والطلاب الأوفياء، ليت طلابنا اليوم يقرأون هذه الرسائل ليدركوا فيها حرارة المشاعر والود والتقدير للمعلم واحترامه والاستنارة بآرائه وتوجيهاته، لقد كان التواصل كبيراً وعميقاً بين المنزل والمدرسة وبين المعلم والطالب وبين الآباء والمعلمين، وفي هذه الرسائل نرى الملك سعود يراسل الشيخ عثمان يسأل عن أبنائه ويطلب منه الإفادة عن وضعهم الدراسي ونشاطهم، وكان الطلاب في شوق دائم للمدرسة. إن الكتاب يشتمل على صور أدبية وتربوية وأخلاقية جديرة بالتأمل والقراءة والاستيعاب، فهي بالغة التأثير تجسد وفاء واهتمام الآباء بالمعلمين الذين خدموا في أشرف ميدان وهو مجال التربية والتعليم. أرأيت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً. في هذا الكتاب يقرأ المرء جوانب متعددة وخصالاً حميدة وقيماً كريمة تدل على سجايا المحبة في مجتمعنا وتواصله، إن هذه الرسائل سجل حافل بالعطاء التربوي والعلمي الذي هو من أهم الميادين في حياة الأمم ودليل حضاري على رقي المجتمع، تحية للصديقين على ما بذلاه من جهد في إعداد هذا السفر الكبير.