أستطيع القول أنه تجسدت لي أجمل وأروع الأهداف المتحققة والمتوخاة من برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، خلال الاحتفال الذي أقامه نادي الطلبة السعوديين في جامعة أريزونا بمدينة (توسان) (University of Arizona)، والتي تعد من أكبر وأفضل الجامعات الأمريكية، حيث يدرس بها حوالي 85 ألف طالب وطالبة من بينهم ما يقرب من 170 مبتعثاً ومبتعثة سعوديين في مختلف التخصصات العلمية والتقنية والأدارية والطبية والعلوم الصحية إضافة إلى حوالي 70 من زملائهم الذين يدرسون اللغة الإنجليزية في معهد الجامعة، هذه الأهداف التي أعنيها وتعد من أبرز الأبعاد والمنطلقات الراقية والنبيلة لبرنامج الابتعاث أنه لم يكن مناطقياً ولا فئوياً ولا قبلياً ولا مذهبياً ولا عنصرياً في اختياراته للمبتعثين، فالطلبة الذين التقيتهم وجمعهم الملتقى الذي نظمه النادي في إحدى قاعات المناسبات عقب أدائهم صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المسلمين في حديقة ريد بارك (Reid Park) كانوا يمثلون كل مناطق ومدن وقرى وأرياف الوطن ومن مختلف القبائل والعائلات والحَضر والبدو وكل المذاهب السني والشيعي والأسماعيلي والصوفي والكبير والصغير والأنثى والذكر والأبيض والأسود، ومن الذي بقي لا أعرف، فهذا هو الذي رأته عيناي. والذي لفت انتباهي وإعجابي أن هذا الخليط وهذه الفسيفساء البديعة التي تشكلت من أبناء الوطن والتي سعى لتحقيقها رائد برنامج الابتعاث الخارجي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، التفوا حول طاولات القاعة في أجواء أتسمت بالمودة والأخوة والحميمية حتى أنك لاتفرق بين أبن الطائف وابن حائل وبين ابن سكاكا وابن الأحساء وبين ابن القويعية وابن القنفذة وبين العتيبي والحربي وبين القحطاني وبين الشراري وغيرهم الكثير، كانوا يحتضنون ويقبلون ويهنئون بعضهم بالعيد وتتعالى أحاديثهم وضحكاتهم حتى أنهم وأنت تشاهدهم على هذه الحال تخالهم وكأنهم أبناء أسرة أو عائلة واحدة وهم من مناطق وقبائل ومذاهب شتى. وكانوا فيما بينهم يخدمون بعضهم البعض بكل مودة وأريحية، فهذا يوزع الحلوى والآخر يصب القهوة، وذاك يمددهم بقناني مياه الشرب، في توليفة تثير الدهشة والإعجاب، بل الاحترام. وفي أحاديثهم ومناقشاتهم تستشف آمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم الدراسية والمستقبلية، وحرصهم وإصرارهم على تخطي ماقد يواجههم من المصاعب الدراسية والمعيشية وبخاصة الطلبة الذين يدرسون اللغة الإنجليزية، وحقيقة لم أسمع من الذين على الأقل كنت منظماً لطاولتهم هموم أو شكاوي تتعلق بالسكن أو المكافأة. والذي يثلج الصدر أن هؤلأء المبتعثون الذين شعرت بالزهو والفخر وأنا التقيهم في هذه المناسبة السعيدة التي جمعتهم كانوا تشكيلة وكأنها منتقاة فمن بينهم الذي يحضّر للدراسات العليا في القانون والتطبيقات اللغوية والزمالة في الطب والصيدلة والعلوم الطبية والتدريب في مستشفيات تعليمية للحصول على البورد الأمريكي وآخرون في التقنية والموارد البشرية، وأولئك الذين يكافحون لتعلم وإجادة اللغة الإنجليزية، وغيرهم. ويبدو أن رئيس نادي الطلبة السعوديين بالجامعة أحمد الجابري، الذي يحضّر للدراسات العليافي الصيدلة شعر بالسعادة للألفة والحميمية التي سادت اللقاء الذي دعا له، فأراد تكريم الحضور بدعوتهم لتناول طعام العيد، والذي كان عبارة عن الطبق التقليدي (الكبسة)، مما جعل معظم الطلبة يشمرون عن سواعدهم، أو على حد قول البعض منهم «هلكتنا شرائح الهامبرجر. وكان الجابري حاتمياً حيث كانت (التباسي) غارقة بكميات كثيرة من لحم خروف العيد، وكان محتاطاً حتى للمتأخرين، الذين كان نصيبهم مثل الذين سبقوهم. وسبق الغداء، تأدية صلاة الظهر، التي أم الجميع فيها رئيس النادي، تلاها كلمة قصيرة للجابري، دعا فيها المبتعثون لخوض التجربة الديمقراطية بالترشح لانتخابات الدورة الجديدة لمجلس إدارة النادي التي تبدأ الشهر المقبل، كما طالبهم بتقييم الدور الذي أداه المجلس ورؤيتهم لما أسهم هو به كرئيس للنادي، وحثهم على تدوين مقترحاتهم و احتياجاتهم لعرضها على الاجتماع السنوي لرؤساء الأندية الطلابية السعودية في الجامعات الأمريكية الذي تستضيفه الملحقية الثقافية السعودية بواشنطون الشهر المقبل. وقد أبدى المبتعثون ارتياحهم وسعادتهم بهذا اللقاء الأسري الذي جمعهم بزملائهم حيث أمضوا وقتاً ماتعاً أحسسهم ببهجة وفرحة العيد، ووجهوا امتنانهم وتقديرهم لرئيس وأعضاء النادي على جهودهم وحرصهم على التنظيم والدعوة لهذا الملتقى الأخوي. وكان رئيس النادي أحمد الجابري، قد دعا المبتعثون للانضمام لنشاط رياضي لتتواصل لقاءاتهم وتمضية أوقات فراغهم بما يعود عليهم وينعكس إيجاباً على راحتهم النفسية والصحية والجسدية والاجتماعية لمزيد من التحصيل والمثابرة الدراسية لتحقيق آمالهم وطموحاتهم المستقبلية، وتطلعات أهاليهم وقيادتهم للعودة إلى الوطن أعضاء نافعين لخدمة أنفسهم ومجتمعهم. يشار إلى أن نادي الطلبة قد خصص الفترة المسائية من يوم العيد لاحتفال الطالبات المبتعثات في نفس القاعة.