مؤخراً تواصل معي بعض الإعلاميين متسائلين عن اللغط الذي تناول ما يجري في مناقشات الشورى من مداخلات استغربها المتابعون، إذ رأوا فيها محاولة للالتفاف على التوجيه السامي وقرارات ترتبط به، أكدت توجُّه تمكين المرأة وفتح أبواب العمل لها. مداخلات استفزت للرد أعضاء المجلس أنفسهم، وإن اعتادوا أن تصخب بها نفس الأصوات محاولة منع التطور في المجتمع, جازمة بعدم قدرته على التعامل الحضاري مع المرأة. مستمرين في محاولات منع حضورها في مجالات العمل التي فتحت حديثاً لتستوعب طلبات التوظيف من الخريجات القديمات والمستجدات اللاتي تتصاعد أعدادهن سنوياً, ثم بالطبع يعجز القطاع العام المكتظ عن استيعابهن في مجال التدريس بمدارس البنات أو غيره من المجالات النسائية البحتة. وبلا شك هو تيار داخل المجلس يمثل رأي من يحملون خارجه نفس حدة التحفظات المتوجسة من حضور المرأة. ولهم حق التعبير عن رأيهم. ومجرّد وجود كل التيارات يؤكد «ديموقراطية» التعيين في المجلس الذي لو كان منتخباً لربما لم نر في المجلس امرأة؛ اللهم إلا كمستشارة معزولة عن بُعد. بينما المجتمع العام مقبل على تعديل رؤيته للمرأة من بضاعة جميلة يتخوف من عدم قدرته على التحكم برغبته في امتلاكها, إلى الارتقاء لرؤيتها كإنسانة بمهارات وتدريب يؤهلها للعمل تشارك في بناء الوطن وإعالة الأسرة. مواطنة لها كل حقوق المواطنة قادرة على حماية نفسها من تعدي المنفلتين خاصة حين تدعمها قوانين تمنع التحرُّش وتعاقب من يتعرّض لها في أي موقع. التساؤلات استثارت تأمُّلات تؤطر رؤيتي لأوضاع المرأة السعودية: هل استجد شيء في وضعها? بلا شك كل تغيير يطرأ على المجتمع، سلباً أو إيجاباً, يحمل معه تغييراً لفئات المواطنين. والمرأة ليست فقط إحدى فئات المجتمع بل تمثل 50% أو أكثر عددياً. لذا فالمتوقع والطبيعي أنّ كل تطور أو تغيُّر فيه سيطالها ويؤثر في أوضاعها ضمن المجتمع. لعل أول وأقدم تقنين إيجابي استجد في الحقبة الحديثة بعد توحيد المملكة، هو فتح باب التعليم للإناث رسمياً ونشر التعليم العام للفتيات. ورغم التوجس في البدء سرعان ما رأينا أعداد الخريجات تقارب بل تفوق أعداد الخريجين ومجالات التخصص الجامعي تتسع. وفي السبعينات تزامنت أنواع المتغيّرات وتفاوتت مسبباتها اقتصادياً وفكرياً واجتماعياً, فجاء منها ما هو في صالح المرأة وما هو مضر بمصالحها. ويقف وراء ذلك فئات من المتأثرين بالتيارات الفكرية المتفاوتة مع المستجدات السياسية والاقتصادية والدينية. حتى اليوم نجد بعض الفئات ترى في السياسات الرسمية وتوجُّهات تمكين المرأة من العمل تطوراً ومطلباً ضرورياً, ونجد تيارات مناوئة تصنف تمكين المرأة وخروجها للعمل الوظيفي تغيّراً سلبياً يدخل تحت تهمة التغريب أو حتى مخالفة الشريعة. ونرى هنا الخلط الواضح بين أعراف المجتمع المتوارثة أو حتى المستجدة, وبين تعاليم الدين القويم. وحين يرى البعض التشدد في معاملة الإناث وتهميش وضع المرأة تخلفاً واستلاباً لحقوقها الإنسانية والشرعية, نجد البعض الآخر يرى في ذلك حرصاً على حماية الفضيلة! سأواصل معكم في حوارات قادمة تتعلق بمواصلة بناء الوطن، ودور المرأة في هذا البناء بصورة عقلانية تراها كياناً ذا احتياجات إنسانية وقدرات مهنية.