«داعش».. الدولة السوداء أو الوحش الذي ظهر فجأة بحسب توصيف الخبراء، بدأت الحرب الأميركية - العربية عليه عبر الجو. هناك من يسأل: هل تكفي الضربات الجوية لإنهائه؟ ماذا عن المرحلة اللاحقة؟ هل يمكن إنهاء «داعش» في العراقوسوريا بالطريقة ذاتها؟ ماذا عن تجفيف مصادر تمويله؟ ماذا عن دور المملكة العربية السعودية في ضرب داعش ومحاربتها الإرهاب؟ أسئلة وتساؤلات حملتها جريدة «الجزيرة» إلى المحلل الاستراتيجي الجنرال إلياس حنا، وهو أستاذ محاضر في مادة الجيو - سياسة في الجامعة الأميركية في بيروت. فكان هذا اللقاء. - جنرال حنا، هل يمكن للضربات الأميركية والعربية أن تنهي تنظيم داعش؟ تاريخياً الضربات الجوية لا يمكن أن تحسم الحرب، ودائماً تحتاج إلى قوى برية لحسمها مثل ما حصل في حرب كوريا في الخمسينات وحرب فيتنام في السبعينات وإنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية. من الجو لا يمكن حسم الحرب، ولكن حالة داعش اليوم هي حالة فريدة من نوعها. هناك استراتيجية كبرى تتعامل معها الولاياتالمتحدة الأميركية يحملها الرئيس باراك أوباما هي: احتواء تنظيم داعش وتدمير قدراته وبالتالي العمل على تشتيته وتدميره إذا أمكن. ولكن هذا الأمر لا شك يتطلب في النهاية عملية برية، لكن أميركا ليست مستعدة وكذلك التحالف العربي ليس مستعداً لهذه العملية. - كيف أثّر التحالف العربي على الاستراتيجية المذكورة؟ التحالف العربي أعطى شرعية للاستراتيجية الأميركية. اليوم هناك شرعية إقليمية - عربية (سنية) للأميركيين، وهذا مفيد للإقليم العربي إذا ما أحسن استغلاله في مراحل لاحقة. - وماذا عن الخطوة التالية إذاً؟ إنهاء تنظيم «الدولة» لا يمكن أن يكون عسكرياً بحتاً وإنما هناك ثلاثة أبعاد. عسكري، وسياسي- اجتماعي واقتصادي. الخطوة الأولى هي فصل المسرح العراقي عن المسرح السوري لأن لكل مسرح ديناميته وتركيباته وتعقيداته الخاصة. عند حصول ذلك، يجب ضرب العمق والامتداد الاستراتيجي لداعش في سوريا كي لا يكون ملاذاً آمناً للتنظيم. على المسرح العراقي، بدأ بالفعل موضوع الحل برأيي. النقطة الأولى كانت إزاحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والإتيان برئيس حكومة جديد يشكل حكومة تضم كل الفرقاء. وبدأت نقطة مهمة هي تطمين السنة العراقيين بأنهم سوف ينالون حقوقهم في الدولة، وفي التوزيع العادل لمداخيل الثروة النفطية. لكن هذا يتطلب البحث عن الشريك من السنّة الذين اكتووا بنار المالكي لمدة طويلة وفقدوا الثقة بالطرف الآخر في العراق. من هنا، فإن إضعاف داعش التي تسيطر على الحالة السنية على الأرض في العراق اليوم، قد يسمح للسنة الآخرين أن يخرجوا إلى الحل السياسي، عنيت بهم القبائل والعشائر، ولكن بعد تطمينات بضمانة أمريكية. أما على المسرح السوري، فالمشكلة أكثر تعقيداً لأن لا شرعية لضرب داعش في سوريا حتى الآن. فالنظام العراقي طلب بنفسه ضرب داعش على أراضيه، أما النظام في سوريا فلم يطلب. وفي سوريا، لا يوجد على الأرض رابح وخاسر حتى الآن. هناك «مرحلة جمود». ضرب داعش في سوريا قد يساعد النظام آنياً، لكنه يقلقه ويقلق إيران في الوقت نفسه لأنهما يعلمان أن المرحلة المقبلة قد يأتي دور النظام السوري. المرحلة الآتية في سوريا، ستكون أيضاً العملية السياسية التي خصصت لها الإدارة الأميركية 500 مليون دولار لتسهيل ذلك. وخطة أوباما في سوريا تقوم على: 1- تجميع وتسليح وتدريب المعارضة السورية المعتدلة المقبولة أميركياً على أراضٍ عربية، ومركز الثقل سيكون الأردن. وقد تبدأ العمليات العسكرية المقبلة من الجنوب باتجاه العاصمة دمشق لأنه أسهل أن تبدأ من هناك. 2- تغيير الواقع الميداني وإيجاد ما يسمى «نخباً سياسية عسكرية» قد لا تكون بالضرورة منضوية تحت المعارضة السورية الحالية. لكن هذا الأمر دونه صعوبات منها، رد الفعل الإيراني وحزب الله تجاه إضعاف النظام، خصوصاً بعد كلام إيراني واضح من نائب مقرب من المرشد يقول إن 4 عواصم عربية (منها دمشق) تدور الآن في الفلك الإيراني! - كيف يمكن وصف المشاركة السعودية في الضربات الجوية على «داعش»؟ ألا تعطي رسالة واضحة للعالم بأن المسلمين يرفضون الإرهاب، بل يشاركون بفعالية بمحاربته؟ خصوصاً وأن ابن ولي العهد الأمير الطيار خالد بن سلمان قاد بنفسه طائرة مقاتلة؟ الحقيقة أن المشاركة السعودية تعني أن المملكة تعي أن أمنها القومي في خطر بوجود مثل هذه الجماعات. وتعني أيضاً أن المملكة تخوض حرباً ضد الإرهاب، وهي أصدرت لائحة ضد المنظمات الإرهابية. أضف إلى ذلك أن المملكة اليوم هي «رأس الحربة» التي أنقذت مصر مادياً، وهي تقود التحالف العربي ضد داعش. هناك اليوم إذاً تجمعا عربيا بقيادة سعودية له وزن سياسي وعسكري واقتصادي يحارب داعش. أضف إلى هذا التجمع، مجلس التعاون الخليجي، ومصر المدعومة من السعودية والإمارات والكويت. المملكة العربية السعودية كانت سباقة أيضاً إلى تجفيف مصادر الإرهاب (داعش وأخواتها) قبل صدور القرار 2170 من مجلس الأمن الدولي بالأمس بتجريم مشاركة العناصر الإرهابية وإصدار تشريعات ضد التنظيم. وللتذكير فإن داعش تدير اليوم 250 ألف كيلومتر من الأراضي يسكنها 6 ملايين نسمة. وقبل سيطرتها على الموصل قيل إن موجوداتها من الأموال كانت 800 مليون دولار. وبعد السيطرة على الموصل صار لديها 2.4 مليار دولار. وداعش يدخل إلى خزينته من مليون إلى مليوني دولار عبر تهريب النفط في السوق السوداء. الضربات الجوية للمراكز النفطية التي تغذي داعش، سيقطع عنه التمويل رويداً رويداً ويمنع التحويلات له. في النهاية ستسقط «الدولة» اقتصادياً ومالياً واجتماعياً مما يفتح الباب للمقاربة السياسية في مراحل لاحقة.