النوم من العمليات الطبيعية التي نفعلها نحن والكثير من الكائنات، لكن قليلاً ما نتفكر في هذه العملية وذلك لأننا تعودنا عليها وصارت جزءًا عادياً من حياتنا، ما عدا الذين يعانون من مشكلات النوم، وهذه مشكلة لن يعرف شدة وطأتها إلا من يُحرَم النوم الطبيعي، واختلال النوم له أسباب متنوعة، فكان الله في عون من أصيب بالقلق والاضطرابات النفسية التي تعسّر النوم، وهناك أسباب وقتية مثل من يسافر كثيراً للمناطق البعيدة فيختل نظام نومه وتضطرب ساعته الحيوية ويحتاج بعض الوقت لتتعدل الساعة الداخلية وينام براحة، وهذه الساعة الداخلية لها وظيفة هامة وهي إفراز هرمون اسمه ميلاتونين، وهذا الاسم قد يكون مر على بعضكم ممن طلب هذا المستحضر بالاسم من الصيدلية، وهو ليس اسم دواء في الواقع وإنما اسم الهرمون الطبيعي نفسه، ذلك أن ساعة الجسم تؤقت إفراز هذه المادة التي تنبع من الغدة الصنوبرية في المخ، ومهمة هذا الهرمون تنظيم النوم، فيحاول إلزام الجسم بتوقيت معين، فيُفرَز هذا الهرمون الذي يُعِين على النوم بدءًا من منتصف المساء ويظل مرتفع المستوى معظم الليل، حتى إذا بزغ الفجر وظهرت الشمس بدأت مستوياته بالانحسار. صعوبة النوم مشكلة حقيقية، فالدواء المذكور ليس حلاً نهائياً ولا يعالج كل أنواع الأرق، ولهذا ما زال البحث جارياً عن دواء للأرق، ورغم أن هناك أدوية كثيرة تزعم أنها تساعد على النوم إلا أنها لا تخلو أبداً من مضاعفات وآثار سلبية، وحتى أفضلها يضر إذا أُخِذ لفترات طويلة، ولهذا بدأ علم النوم ينتشر الآن، ففي السابق كانت العيادات التي تعالج مشاكل النوم في العالم ضئيلة العدد لا تكاد تُذكَر، أما اليوم فهناك مئات المراكز الطبية حول العالم التي تخصصت في التعامل مع مشكلات النوم خاصة مع إدراكنا الآن أكثر مما مضى عن أهمية النوم وأنه أعقد مما كنا نظن، لا سيما وأن قلته تضر الناس بل تقتل، فالذي لا ينام قد يقود السيارة أو جهازاً ضخماً ويفقد سيطرته عليه ويصيب غيره، والكثير من الوفيات والإصابات التي تحدث كل يوم سببها قلة النوم، لكن مع تطور العلم بدأت شعيعات من الأمل تبزغ لنا، ومنها تجارب قام بها العالم كروغر. عالم المخ جيمس كروغر وفريقه من جامعة واشنطن اكتشفوا شيئاً شيقاً عن النوم: عكس الاعتقاد الشائع أنه عملية يقوم بها كامل المخ فقد وجدوا أن أجزاء معينة هي التي تجعلنا ننام. الذي يحصل أن أجزاء المخ التي تعمل أكثر أثناء اليقظة تبدأ في إفراز مادة تتكوم في خلايا المخ، وفي نهاية اليوم إذا اتجه الشخص لفراشه فإن تلك الأكوام هي التي تدفع المخ للنوم. الجزء الشيق هو أن هذا يعني أن هناك أجزاء من المخ تظل واعية أثناء النوم، وهذا ما يفسر أشياء مثل المشي أثناء النوم، ذلك أن الشخص يحرك يديه وقدميه بتناسق ويمشي بتوازن وهو غائب عن الوعي تماماً! هذا الاكتشاف يمكن أن يساعد في استخدام تلك المادة المفرَزَة لصنع أدوية تعالج الأرق وبعض اضطرابات النوم، أما في الوقت الحالي فاحرصوا دائماً على ما لا يقل عن 7 ساعات من النوم كل يوم قدر الاستطاعة.