نبارك لمجموعة إم بي سي الظفر بحقوق نقل المسابقات السعوديَّة رغم الاعتراضات (المنطقية) على المدة وطريقة الترسية لا على الناقل بحد ذاته. فعشر سنوات هي مدة طويلة جدًا لحقوق نقل منتج يسيل تجاهه لعاب العديد من المنتجين والمجموعات الإعلاميَّة القادرة على الدخول في منافسة أكثر شفافية. قد نعذر الأمير عبد الله بن مساعد الرئيس العام لرعاية الشباب بسبب قصر الفترة ما بين تكليفه في منصبه الجديد وموعد انطلاق منافسات الموسم بالتوقيع مع أكثر العروض جدِّية وجاهزية، ولكن تظل المدة الطويلة محل جدلٍ وخلاف سيستمر طويلاً. فالتقنيات تتطوّر في عالم النقل التلفزيوني بسرعة فائقة توازي سرعة ارتفاع سرعة المنتج، لذلك سنقع في مأزقين تقني ومادي. فالمأزق التقنية سيكون بعدم ضمان مواكبة الناقل للمتغيِّرات التقنية التي دومًا تكون باهظة الثمن، وبسبب وجود هذا العقد ستبقى إضافة هذه المصاريف الإضافية رهن إشارة دوافع شخصيَّة وليست تعاقدية. في حين لو أن المدة كانت أقصر، فمن السهل وضع جميع الاشتراطات الفنيَّة الحديثة كبنود أساسيَّة ملزمة لجميع المتقدمين للظفر بهذا العقد (الحلم). والمأزق المالي الذي ستعاني منه الأندية المشاركة في المنافسات بشكل مباشر أكثر من الأطراف الأخرى ذات الصلة، هي تكلفة الفرصة البديلة أو كما تسمى بالإنجليزية The Opportunity Cost. وهي بكلِّ بساطة القيمة التي كان من الممكن الحصول عليها وتمت إضاعتها بسبب الالتزام بعقد طويل. فما كانت ستقوم به مجموعة إم بي سي في أربع أو خمس سنوات كحدٍ أقصى، والعوائد المترتبة عليها ستجعل منها ومن منافسيها يتمسكون بالمطالبة بهذا العقد حتَّى ولو زادت حقوق الرِّعاية إلى الضعف. ولنا في العقد الحالي وعقد آيه آر تي السابق عبرة، عندما نرى أن قيمة السنة الواحدة تعدت الثلاثة أضعاف. وبعيدًا عن التفاصيل التعاقدية، يجب علينا طرق موضوع بالغة الأَهمِّيّة تتعلّق أيْضًا بهذه الصفقة الحلم، ألا وهو وعي الناقل بمسؤولياته والتزامه تجاه الشريحة المستهدفة من هذا التعاقد. فكرة القدم لدينا ليست مُجرَّد لعبة، أو مساحة على الهواء يتم تعبئة دقائقها بمادة بغرض سد وقت الفراغ. كرة القدم لدينا عشق وهوس، انتماء وهوى، متنفس ومتعة. والتقنيات المستخدمة سابقًا من التلفزيون السعودي كانت ذات جودة عالية (خصوصًا في الموسم الماضي). فالأمر لم يعد محصورًا بنوعية الكاميرات أو عددها فقط، بل يتعدى ذلك بكثير. لذلك يجب على الناقل بعد أن ضمن توجه كل الأعين إليه أن يرتقي بذائقة الرياضي المشجِّع، ويسعى لزيادة وعي الشباب بالالتصاق أكثر برياضتهم الحبيبة ولكن بالشكل الصحيح. فلم يعد هناك داعٍ لجذب المشاهد من زاوية التعصب والتهريج كما كان يحدث (في المرمى). ولم نعد في حاجة لحشد المتعصبين وترك الحبل لهم على الغارب لنقل عبارات وتصرَّفات و(إفيهات) مثيرة للتناحر تحت عذر الإثارة وسقف الحرية المرتفع اللا واعي كما يحصل في (أكشنها يادوري). يجب أن تعي المجموعة أنها فعلاً ملكت كل شيء، وأنها ومن خلال هذا العقد الطويل قادرة على صنع الفارق وإنتاج جيل من المشجِّعين والمتابعين يعون أدبيات المنافسة وفروسية الرياضة. لذلك يجب أن يكون التحليل الفني للمتخصصين لا للمشجِّعين. وأن تكون الأخبار موثقة المصادر خالية من التأويل والأجندات وإثارة الجماهير بلا وعي للعواقب. فحقوق النقل الحصرية متى أضيف لها قليلٌ من الإبداع والابتكار تجعل من هذا المنتج غاية في الثراء والإثراء لجميع الأطراف على حدٍ سواء. فالتقارير الخاصَّة، والأفلام الوثائقية المحايدة بوقائعها الصرفة، دومًا ما تكون مغرية للمشاهد وتضمن متابعته خارج أوقات نقل المباريات أو تحليلها أو البرامج المباشرة اليومية بنفس الشغف والمتعة. ختامًا أقول: هو ليس مُجرَّد عقد، وليس مُجرَّد حق حصري لمنتج ما. بل هي فرصة ذهبية لتشكيل عقلية متابع، والارتقاء بذائقة مشجِّع، وتنصيب المجموعة كرائد لرياضة وطن أكثر نقاءً وأشد بياضًا. أبعدوا المحتقنين والمتعصبين الذين لا ينظرون لأبعد من أقدامهم، فقد أزكمت أنوفنا هذه الغمامة التي ندعو الله أن يزيلها عن سماء رياضتنا عاجلاً غير آجل. خاتمة... أما ترى البحر تعلو فوقه جيف.... وتستقر بأقصى قاعه الدرر وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمر (الشافعي)