تباريح الفصيح محمد حسن العمري 185 صفحة من القطع الكبير هكذا أسمى ديوانه.. بدءاً بدعاء إلى غزة الحصار.. والدمار.. ولعبة الأشرار.. غزة الجريحة بأهلها.. من خصومها ومن بعض أهلها الذين ينطقون لغتها.. ويتفرجون على محنتها.. ويصمتون على نكبتها.. أن يقول: دماء غزة تروي كل من شربوا منها فدع كل من قالوا ومن كتبوا ويتساءل: هل يخجل المرء من أقوال أمته أو صمتها بينما الأفعال تحتجب كرامة المرء في هذا الزمان غدت مسلوبة منه والأوطان تغتصب ويناشد ضمير أمته العربية والإسلامية أن يصحو من سدرته ومن رقدته: في غزة اليوم يا أبناء أمتنا جرائم القتل والتدمير ترتكب ماذا يفيد بني قومي إذا اجتمعوا لا شيء! إن نددوا بالحرب أو شجبوا لا شيء يا شاعرنا العمري: إلى أين؟ عنوان يطرح أكثر من سؤال: أريد صلاح الحال والله يشهد ومالي سوى الإخلاص لله مقصد أريد صلاح الحال من أين لي به إذا ساد في الدنيا فساد ومفسد أنا يا وجود الخير مما رأيته تحيرت والمحتار في الزاد يزهد أبدا يا شاعرنا.. دون فساد ومفسد لا مكانة للإصلاح.. الشمعة لا معنى لها دون ظلام.. والصرخة لا وجود لها دون ظلم.. (رويداً) تباريح حب يبثها لملاكه في اشتياق.. ملاكي لها جيد وخد مورد ولي بهجة حين ترى الحسن تسعد شطرك الثاني مهتز.. وددت لو أبدل كلمة حين بكلمة لما كي يستقيم وزنا. رويداً رويداً يا غزالي فإنني على العهد.. والعهد القديم يجدد رويداً على قلب يذوب صبابة ويهوى جمال الروح من حيث يوجد أبيات ثلاثة تختزل كل ما في دواخله من اشتياق ولهفة أتجاوز بعض محطاته للضرورة لأن العين بصيرة ومساحة الرحلة قصيرة.. وأقف مع شاعرنا العمري عند مقطوعته تباريح. أجيبي يا منى قلبي أجيبي إذا سلمت من بعد المغيب أنا أهواك يا حبي وهذا هو حق الحبيب على الحبيب الشطر الأخير يحتاج إلى عكاز يحميه العثرات الشعرية.. أحسب أنه لو جاء على النحو التالي لكان أنسب لعمرك.. من حبيب للحبيب أليس ذلك يا عمري؟ في خطاب تباريحه لمحت الكثير من الأبيات تفتقر إلى تصويب وزن حبذا لو أعدت قراءتها من جديد ضبطاً لإيقاع الحركة الشعرية، هم شاعرنا الوجداني يطغى على غيره ويحتل مساحة شاسعة من عناوين ديوانه.. (غزالي) مثلاً: سلا قلب وقلب غير سالي وفي كأس الهوى مر وحالي من الحلاوة.. لا من الحال.. يصف غزالته: جميل الوجنتين.. مع الجبين ويخطر في الملاءة كالهلال غزالي شارد مني كأني جنيت وما جنيت على غزالي الهلال دخيلة على الوصف.. أبدلها بكلمة (في دلال).. بيتان في وجداني عنوان لأبيات كثيرة سأصطفي منها بيتين اثنين لا ثالث لهما كي يصدق العنوان: سكنت أنا والشوق لما تشوقنا بحي صلاح الدين ثم تفرقنا سلام على عشرين عاماً قضيتها هنا ثم ودعت الثرى وتعانقنا يقصد بالثرى المكان.. ومن حي صلاح الدين الذي غادره بعد عناق يشد رحاله إلى العراق.. إلى بغداد الرشيد ليلى المريضة بالعراق تحذّر عواصم الغرب التي لا تشعر كيف ينام الحر ملء جفونه والشيخ يأسى والفتى يتحسر؟ والناس شيباً أو شباباً أجمعوا بأن يوم الغزو يوم أغبر ويطرح السؤال: هل يغمر الطوفان بغداد الهوى والعالم العربي فيها ينظر؟ ينظر إليها وليس فيها.. وحتى لو صح هذا فالطوفان ما زال قائماً وجاثماً على الأنفاس رغم شعارات الرحيل الكاذبة (يودع) هذه المرة.. أين يودع.. وممن جاء وداعه..؟ كان يبدو لي إذا ناديت من فوق المطل باسم الثغر بشوشاً مشرق الوجه يهلي كان بل كنا معاً جسماً وروحاً وأخيرا دارت الأيام والعمر يولي أختصرها في بيتين.. وهأنذا أكتفي بهما.. ومن مطل جنوبه كما أظن يأخذنا إلى فلسطين الصابرة.. أجتزئ من قصيدته الطويلة بضعة أبيات.. صبراً فلسطين التي يزيدها الخطب احتمالا ما بالنا يا أمتي يا أمة العرب الكسالى؟ نزداد ذلاً بينما يزداد شارون اختيالا أين الكرامة خبروا من قبل أن ننسى السؤالا نسينا كل شيء.. السؤال والجواب.. لأننا أمة لا تقرأ الواقع ولا تستقرئ التاريخ وتستفيد من عظاته.. أنتزع من قصيدة قيثارة شعره أبياتا لها ذكريات: سافرت من قريتي لكنني أبدا تركت قلبي بحضن الطين مرتهنا تعرفني قريتي حقا وأعرفها بالحب يا ليتني لم أعرف المدنا لا أكتم الحب عن أهلي وعن وطني وكل حر يهب الأهل والوطنا أبياته جميلة ومعبرة.. يخلص منها شاعرنا إلى التذكير: أيام عشنا سنين العمر في دعة نكاد لا نشتكي هماً ولا حزنا يضمنا تحت سقف واحد أمل وما سوى الأمل البسام ليس لنا وكسرة الخبز يكفينا تناولها إن لم نجد عندنا تمرا ولا لبنا وكل دار بكل الحب تجمعنا أنعم بها منزلاً أكرم بها سكنا (منزل) مذكر.. الأصح (أنعم به منزلاً).. ومثله السكن (أكرم به سكنا).. وتأخذنا الرغبة والرغبة من قصيدته بقيثارة الشعر الأجمل من كل قصائده.. يقول شاعرنا محمد حسن العمري: أصبحت في حيرة ماذا أقول لمن فراقها المر هزّ الروح والبدنا أقول في ساعة الصمت الرهيب لها وللمكان الذي قد كان يجمعنا يا قرّة العين يا سمعي ويا بصري رفقاً بنا وبما تحوي ضمائرنا ودّع أغلى حبيب وقريب إلى قلبه.. بقي وحيداً تطارده هواجسه: وسرت منفرداً أمشي على طرق لا أستبين بها شاماً ولا يمنا وذاك أني بلا حول ولا حيل ودّعت بعضي وبعضي لا يزال هنا يا شاعرنا العمري أين قصائدك من هذه القصيدة العصماء.. بها أكثر من غيرها أكدت مقدرتك الشعرية الوصفية.. ومن قيثارة شعره إلى «جميلة»: طفلة العشر سنوات جميله اسمها هكذا وكانت جميله طفلة حلوة تشع المرايا للبرايا من العيون الكحيله طفلة جف دمعها من شجاها ودموع الآباء تأتي ضئيله هذه الطفلة الملاك بعيني أشعلت في شغاف قلبي قتيله لماذا كل هذا التوصيف وتوظيف المفردات لمفردته؟! بتروا ساقها بلا أي ذنب أحرموا هذه الملاك الطفوله حرموا.. أصح من أحرموا، ويقترب شاعرنا من المشاهد الدراماتيكي.. هل رأيتم كما رأيت بعيني مشهداً ما رأيت يوماً مثيله هذه الطفلة التي حبستها غصة شرقت بها دون حيله فوق أرض الرباط كم من قتيل بدم بارد وكم من قتيله يوجه صرخته في وجه الجلادين.. المفسدين في الأرض: أيها المفسدون في الأرض مهلا إن يوم الحساب يوم البطوله صفة الغدر والخداع نراها دائماً يا يهود فيكم أصيله تنقضون العهود جيلاً فجيلاً بعد إبرامها لأهل الفضيله ويخلص في النهاية إلى قوله مستصرخاً رجولة الرجال: كم سألنا وما لنا من مجيب أين معتصم؟ وأين الرجولة؟ ليس لي من إجابة عن سؤالي ولك الله وحده يا جميله غير أني اقول: لا بد يوما من بلوغ المنى لمن شد حيله انتهى المشهد.. وبنهايته لا أقول وداعاً.. دائماً إلى لقاء جديد مع شاعر جديد..