كلما خبا نجم جماعة إرهابية؛ برزت أخرى؛ وكأن الدول العربية باتت مسرحا لصناعة الإرهاب وتصديره إلى الخارج؛ ومن ثم استيراده من جديد. منذ أن ظهرت القاعدة؛ لم أحيد يوما عن ربطها بالاستخبارات الغربية؛ ومن ثم الصفوية التي باتت توفر لبعض قياداتها الملجأ الآمن في إيران. أحسب أن الأهداف الصفوية الغربية تلاقحت في المنطقة العربية؛ بدءاً من العراق؛ مروراً بلبنان؛ وانتهاءً في سوريا. صُنعت القاعدة باحترافية استخباراتية؛ فكانت الجسر الذي عبرت من خلاله القوات الغربية مناطق إسلامية وعربية؛ وحققت أهدافها الإستراتيجية المحددة سلفا. كانت السعودية جزءاً من الأهداف الإستراتيجية المُزمع تحقيقها من خلال هجمات القاعدة؛ واستهدافها المواقع النفطية؛ والأمنية؛ لإحداث الضرر الأكبر. اعتمدت صناعة القاعدة على الفكر أولا؛ وبشكل رئيس؛ وهو الفكر التكفيري الذي أحدث خللا في مفاهيم العقيدة لدى المنتمين له؛ وبعض فئات المجتمع. ثم التمويل السخي الذي أسهم في الإنفاق على الأعضاء؛ والخلايا الداخلية والخارجية؛ وساعد على استمالة شريحة أخرى من المتعاطفين من خلال السماح لهم بإدارة أموال التنظيم والاستفادة منها؛ وأخيرا التغطية الإعلامية الإغراقية التي نجحت في تحقيق هدفين رئيسين؛ الأول التنظيم وتضخيم حجمه ومخاطره؛ وقدراته؛ والثاني تحويل جماعات التنظيم إلى إنموذج محفز للمتشددين الشباب الذين يتم تجنيدهم؛ من خلال نقل العمليات الإرهابية؛ وتسميتها بالاستشهادية؛ وإبراز منفذيها إعلاميا؛ وتحويلهم إلى (نجوم)؛ بدلا من إظهارهم بمظهر الإجرام. برغم الأضرار؛ السياسية والأمنية؛ فشلت القاعدة في تحقيق هدفها الرئيس؛ وكان لوزارة الداخلية؛ بعد الله؛ الدور الأكبر في إفشال مخططاتها المشؤومة. انتهت مرحلة تنظيم القاعدة عمليا بمقتل «أسامة بن لادن» ولم يتبقَ منها إلا جيوب إرهابية مفككة تفتقد التنظيم والقيادة والتأثير على أرض الواقع. ثم بدأت المرحلة الثانية من الإرهاب الدولي؛ وصناعته الاستخباراتية. ظهرت جماعة «داعش» وبدأت تسير على خط القاعدة من حيث الانطلاقة والنمو. أدوات اللعبة لم تتغير؛ قائد مُصطنع وهو «البغدادي»؛ وجماعة متخصصة في الإجرام وهي «داعش»؛ وتمويل غربي صفوي مباشر؛ وتغطية إعلامية إغراقية؛ وزعت أدوارها بين الإعلام الغربي والعربي . خَبَت القاعدة فبزغ (نجم) «داعش» وغاب «بن لادن» فظهر «البغدادي». سُجن البغدادي في معسكر «بوكا» الأميركي جنوبالعراق لأربع سنوات؛ ثم أطلق سراحه؛ فظهر قائدا (لأخطر الجماعات الإرهابية وأغناها) كما تقول آلة الإعلام الغربية!. نشرت جماعات الإرهاب بعناية في العراقوسوريا واليمن. وباتت تتحرك وفق خطط إستراتيجية محددة سلفا. أصعب الحروب تلك التي تشتعل؛ متزامنة مع بعضها البعض؛ في مواقع حدودية مختلفة. وأحسب أن زرع داعش على حدودنا الشمالية؛ والحوثيين وجيوب القاعدة جنوبا؛ والخلايا الصفوية النائمة في الشرق؛ يتجاوز هدفه المناطق الحاضنة إلى الهدف الرئيس؛ وهو السعودية. لم يكن استهداف رجال الأمن في شرورة حدثا عارضا؛ بل مخططا له بعناية؛ وأحسب أنه بداية لهجمات لن تتوقف ما لم نقف في وجه فكر الخوارج؛ وخطط الغرب؛ وجماعات الإرهاب بكل حزم وقوة. المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي أكد بأن «المملكة مستهدفة ليس فقط في المنافذ الحدودية فقط» ولم يستبعد؛ في الوقت عينه؛ وقوع أعمال إرهابية أخرى. وهذا ما نعتقده؛ وما تؤكده المتغيرات الدولية المحيطة. يقال «وداوني بالتي كانت هي الداء»؛ وطالما أن داء الخوارج هو الفكر؛ فيفترض أن يكون جزءا من الدواء. لا خلاف على أهمية المواجهة الأمنية؛ لدحر جماعات الإرهاب؛ إلا أن المواجهة الفكرية هي الأكثر تأثيرا على الشباب المتشدد؛ والمتعاطف فكريا؛ والمتوقع انضمامهم للجماعات الإرهابية بتصنيفاتها المختلفة. لم يبذل الدعاة الذين يُعتقد بتورطهم في نشر الفكر الضال جهدا لتصحيح الخطأ؛ بل يحجم بعضهم عن إدانة قتل رجال الأمن صراحة؛ وتبيان شناعة الجرم وحرمته. وبعضهم لم يصل بعد إلى رأي واضح في «داعش» وهي تنحر المسلمين الآمنين نحر النعاج؛ وتقتل علماء السنة في العراق لأسباب مرتبطة بالبيعة؛ وتتسبب في انهيار الدول؛ ونشر الفوضى والقتل والدمار. تجفيف منابع التمويل يجب أن يُلحق به هدف تجفيف منابع التجنيد الفكري أيضا؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بمواجهة الفكر الداعشي؛ والقاعدي؛ وفكر الخوارج بشكل عام. «إن لم تكن معي فأنت ضدي» شعار يجب أن ترفعه الحكومة في وجه الجميع؛ وفي مقدمهم الدعاة ومتصدري المنابر؛ والمتباهين بعدد متابيعهم على شبكات التواصل. يجب أن يُستنطق الصامتون؛ حماية للإسلام النقي؛ ولأرض الحرمين؛ والشعوب الآمنة. يجب أن يُجند الإعلام المحترف؛ لا التقليدي؛ لمحاربة فكر الخوارج؛ وانتزاعه بالحجة من عقول الشباب. يجب أن تكون لدينا إستراتيجية أمنية شاملة لمواجهة الخطر الذي يهدد أمن الوطن واستقراره.