قد يكون الخطأ القاتل الذي وقعت فيه الأقليات الشيعية والنصيرية في المشرق العربي هو الانقياد الأعمى وراء أحلام الفرس الحاقدة على كل ما هو عربي ومسلم بدعم واضح من الغرب، بما لا يحتاج ذلك إلى أدلة وبراهين إلا للمتعامين عن الحقائق أو الأغبياء فقط. فقد كشفت هذه الأقليات عن كل أحقادها الدفينة على الأغلبية الساحقة في المنطقة منذ مئات السنين يقودها الإغراء والإحساس الكاذب بالقوة، أما ضعف الأمة المؤقت وهي في الواقع إنما تكون قد كشفت وعرضت نفسها لأحقاد وثارات سوف تدوم لعقود كثيرة قادمة، وستكون هذه الأقليات هي وقود لحرب الأحقاد والانتقام المرعب والأثمان الباهظة التي سوف تدفعها هذه الأقليات عندما تحين ساعة الحقيقة، وكلامنا هذا لا يعم كل الأقليات دون تمييز فنحن نعلم أنه يوجد شريحة لا بأس بها داخل هذه الأقليات صامتة وخائفة ولا توافق على أخذ الطائفة إلى مكان لا تريده ووضعها رهينة وأداة بيد الفرس، لكن هذه الشريحة مغلوبة على أمرها وستدفع ظلماً ثمن مغامرات المتطرفين والحاقدين في هذه الطوائف. إن المستفيد من تمزيق العراق وإضعافه هي إيران فكل ما كان العراق قوياً ومستقلاً ضعف دور إيران في المنطقة والعكس صحيح وهذا ما أثبتته تجارب ال30 سنة الماضية، فالعراق القوي هو الذي وقف سداً منيعاً في وجه طموحات إيران التوسعية في المنطقة وعندما ضعف العراق وتمزق بسبب الغزو الأمريكي تعاظم الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة من العراق مروراً بسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن، وأقرب مثال لنا هو الحرب العراقيةالإيرانية، حيث فشلت إيران فيها فشلاً ذريعاً طوال سنوات الحرب الثماني بالرغم من كل الدعم الأمريكي والإسرائيلي الخفي والسوري أيام حافظ الأسد، وبالرغم من حجم إيران الذي هو أكبر ثلاث مرات من حجم العراق في كل شيء فقد فشلت إيران في حربها وأجبر العراق الخميني على تجرع كأس السم وإنهاء الحرب. في الواقع إن أقصى ما تستطيع فعله إيران هو إشعال الحرائق وإذكاء نار الأحقاد الطائفية في الدول العربية التي لديها أقليات شيعية أو نصيرية أو حتى بعض العملاء السنة وهم قلة قليلة جداً بموافقة غربية صهيونية على لعب إيران لهذا الدور التخريبي في المنطقة ليس لمصلحة إيران في المقام الأول إنما لمصلحة هذه القوى، ولن تستطيع إيران أن تتجاوز المساحة التي سمحت لها هذه القوى أن تلعب فيها. كل هذا واضح في العراق وفي سوريا ولبنان واليمن، فالدور الإيراني كان للتخريب فقط وليس للانتصار الحاسم فهذا ما لا تستطيعه إيران بكل قوتها المزعومة وكذلك قوة كل عملائها، وهو أيضاً ما لم تسمح به القوى الغربية والصهيونية فهذه القوى تواطأت مع إيران في كل ما يجري الآن من تخريب ودمار في هذه الدول لمصالح غربية صهيونية في نهاية الأمر وليس من بينها المصالح الإيرانية أو الشيعية؛ فهذه القوى تعلم أن إيران وكل عملائها في المنطقة أصغر بكثير من أن يستطيعوا ابتلاع المنطقة أو حتى ابتلاع جزء منها. فبعد أن يكتشف الفرس أنهم قضموا أكثر بكثير مما يستطيعون ابتلاعه (وهذا ما بدأنا نراه الآن في العراقوسوريا) وأن الاستمرار في القضم سيرتد سلباً عليهم، وهذا بالضبط ما هو حاصل في الداخل الإيراني من مشاكل لا تحصى وقد تكون أطماع إيران التوسعية أكبر من طاقتها على الاحتمال، وهذا قد يكون سبباً في انفجار إيران من الداخل بكل تناقضاتها وشعوبها وأديانها بالرغم من قبضة الملالي الحديدية فقد انهار قبلها الاتحاد السوفيتي وهو القوة العظمى التي يحسب لها العالم كله ألف حساب، عندما يصل الفرس إلى هذه المرحلة وهم واصلون لا محالة، وعندما يبدأون في الدخول في تسويات لا مفر منها فماذا سيحل بكل عملائهم من العرب الذين تمادوا في الكشف عن كل أحقادهم وأحرقوا كل أوراقهم وقطعوا كل خطوط العودة إلى محيطهم العربي السني الكبير. فإيران في نهاية الأمر دولة تنتمي إلى العالم الثالث بالرغم من كل استعراضاتها العسكرية العنترية المكشوفة التي تهدف إلى الايحاء الزائف بأنها قوة عظمى، وهذا ما كذبته وتكذبه الأحداث والحروب الحقيقية. فإيران في نهاية الأمر هي جزء من اللعبة الغربية الصهيونية (كما كانت دائماً منذ استعملها البرتغاليون في حربهم مع الدولة العثمانية في القرن السادس عشر) وليست لاعباً كما يظن البعض، وهذا ما سوف تثبته الأشهر وربما السنوات القليلة القادمة.