يعتبر القانون وعاءً تطبيقياً للنظريات، فبمجرد أن تنشأ نظرية ما؛ يكون من المحتم على مناصريها احتواءها عبر نصوص القانون، لتجد فاعليتها واشتغالها على أفقها التطبيقي. إذا ارتددنا إلى الوراء سنجد أن الصراع بين الشيوعية والرأسمالية لم يكن صراعَ تسلُّحٍ بقدر ما كان قانونياً، فعلى المستوى الشيوعي كان لابد من تغيير القواعد القانونية، لتؤكد على مركزية الدولة، ودورها الحتمي في قيادة الاقتصاد ونبذ قانون السوق، وتأكيدها على الملكية العامة وتحجيم الملكية الخاصة. وعكس ذلك كان لابد للرأسمالية أن تتموضع (قانوناً) عبر تأكيد لا مركزية الدولة، والليبرالية الاقتصادية، والملكية الخاصة. وما بين النظريتين، نظريات وسطى كاشتراكية الوسط والليبرالية الاجتماعية...الخ. وإذا نظرنا إلى المملكة وأردنا أن نعرف إلى أيٍّ من المدارس تنتمي، فيمكننا أن نخوض الطريق الأصعب وهو النظر إلى الحراك الكلي داخل المملكة سياسياً واقتصادياً، أو أن نتبع الطريق الأسهل وهو إلقاء نظرة خاطفة على النظام الأساسي للحكم وقوانين الدولة (أنظمتها). لنكتشف أن المملكة قد تبنت الاتجاه الوسطي المعتدل، فهي قد أكدت على الدور الاجتماعي للدولة، دون أن تعتدي على الملكية الخاصة. وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للحكم في المواد الاقتصادية، كالمادة (14) والتي تنص على أن: (جميع الثروات التي أودعها الله في باطن الأرض أو في ظاهرها أو في المياه الإقليمية أو في النطاق البري والبحري الذي يمتد إليه اختصاص الدولة، وجميع موارد تلك الثروات، ملك للدولة. وفقاً لما يبينه النظام. ويبين النظام وسائل استغلال هذه الثروات وحمايتها وتنميتها لما فيه مصلحة الدولة وأمنها واقتصادها). والمادة (18): (تكفِل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها، ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يُعوض المالك تعويضاً عادلاً). إذن؛ فالقانون كما أسلفنا هو وعاء تطبيقي للنظريات، ولا يقتصر الأمر على النظريات الكلية، بل حتى على المستوى الرأسي، فنظرية كالوضعية المنطقية لعبت دوراً رئيساً في أنساق الصياغات القانونية المختلفة. والمدرسة اللاوضعية أثرت في نقل القانون من كونه آلة صماء إلى كونه كائناً حيوياً ذا بعد أخلاقي.. وهكذا دواليك.