إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) سورة القصص الآية الكريمة، جاءت ضمن قصة موسى عليه السلام مع شعيب الذي كان عاجزاً عن العمل، فخرجت ابنتاه للسقيا ولكثرة الرعاء حول البئر طال انتظار الفتاتين، إلا أن شهامة موسى ومروءته حملاه على المبادرة من غير أن ينتظر سؤالهما بقضاء حاجتهما بالسقي لهما، فأعجب هذا الأمر الفتاتين فذكرتاه لوالدهما العاجز عن العمل فأرسل في طلبه، فلما جاء وحدثه بخبره قالت لهما إحداهما لعلمها بعجز والدها عن القيام بأعمال الرجال يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) سورة القصص. إن من رأته ابنة شعيب لم يكن إلا نبياً من أكرم الأنبياء ورسولاً من أولي العزم، وهي القوة بالعمل والأمانة في الأداء، وعلى هذا فالأمانة هي أساسيات أي عمل في الحياة، يقول أنس رضي الله عنه: قلما خطبنا رسول الله إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)، وعند تأمل القرآن الكريم نجد تلازم تلكما الصفتين (القوة والأمانة) وهما من أهم عناصر الكمال والنجاح، فهو قول يوسف عليه السلام للملك: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) سورة يوسف، أي حفيظ للذي سيكون تحت يدي فلا يضيع شيء... إن الأمانة حملت يوسف عليه السلام على أن يعرض نفسه لتحمل المسؤولية في وقت الشدة، والأمة قادمة على سبع شداد هي الأمانة. أين نحن يا سادة من هذا الحرص ليس لمركز وحرص على الولاية، إنما النفع العام هو الاحتياج الفعلي لذاك القوي الأمين، ونحن في مواقع أعمالنا... لا تعرضوا أنفسكم للمناصب فقد امتلكوا القوة وتنحوا بعيداً عن المسؤولية لآخر يحمل صفات (القوي الأمين)، عندما ترون تقصيركم واستمراره أمام عدم قدرتكم على النفع العام والتمكن من الأمور. وينبغي معرفة الأصلح في كل منصب، لم نرَ أشخاصا يتقدمون لمناصب إلا ومؤهلاتهم هي التي في المقدمة ونغفل عن صلاح هذا الشخص في المنصب وليس كل منصب منصبا! هناك مناصب متعلقة مباشرة بأحوال الناس باحتياجاتهم أشياء كثيرة تخص حياتهم، نحتاج لذلك الأمين من لا تقرّ له عين إلا وقد حاسب نفسه وعالج تقصيره، الأعمال أمانة ومن لم يكن كفؤا لهذا العمل، وضيّع حقوقا، فإن حقوق العباد عند رب العباد لا تضيع وسيحاسب حساباً عسيراً. قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ سورة الحجر (92-93)، هو وضع الأمور في نصابها، وأن نتجه لتأهيل الشخص قبل إيجاد العمل الذي سيعمله بدلا من أن يكون المنصب ثم البحث عمن يسد الفراغ ليس أكثر، وهذا الحال للأسف في مؤسسات الدول مما أضاع كثيرا من الحقوق. من المؤسف سد مناصب بشخص لا يحسن قراءة شيء يحيط به، وحين يتولى رسم سياسات رجل لا يعرف الواقع، ورجل وضع مصالحه الشخصية في مقدمة أجندته، ورجل غفل عن الأمانة أمام سطوة المنصب! نحتاج في كثير من المناصب الرجل القوي من يملك الجرأة لقول (لا) في مواقع و(نعم) في مواقع، لا يلتفت لمؤثرات يمكن أن تغير في قراره، يضع نصب عينيه فقط الصالح العام، إنه الرجل الذي يصنع غربلة لكل الكراسي الصغيرة التي حول كرسيه الكبير لتتضح له الرؤية، ويجد خير معين له في وسط زحام المسؤوليات، يجتهد في التغيير ليُحسن التدبير ويؤدي أمانته بقوة سياسته.