أكد الخبير والباحث الجزائري في المصرفية الإسلامية الدكتور سليمان ناصر أن البنوك الإسلامية تشهد اليوم عصراً ذهبياً واهتماماً بالغاً من الحكومات والهيئات والأوساط المالية إضافة إلى الباحثين والمهتمين في المجال المصرفي على المستوى العالمي، خاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، والتي أثبتت تلك البنوك صلابتها في مواجهة الأزمات، بسبب ابتعادها عن مسبباتها، كالتعامل بسعر الفائدة وبيع الديون والدخول في المضاربات المالية والكثير من العمليات الوهمية عوض تمويل عمليات حقيقية. مضيفاً أن الفضل الأكبر في هذا التطور يرجع ربما إلى التنظيم الذي توفره لها المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي كالمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية CIBAFI وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI بالبحرين ومجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB بماليزيا، والتي أفادت كثيراً المصرفية الإسلامية بما تمده إياها من معايير ساهمت إلى حد كبير في توحيد التطبيقات لعدد من المنتجات المالية الإسلامية وأساليب الرقابة، رغم عدم إلزامية تلك المعايير. واستطرد قائلاً عبر الجزيرة : كانت البنوك الإسلامية تعاني في السابق من الإفراط في الاعتماد على التمويل قصير الأجل خاصة بصيغة المرابحة، نظراً لربحها المضمون وقلة المخاطرة فيها إضافة إلى عدم تجميد الأموال وسرعة دورانها، وقد كان ذلك منافياً للدور التنموي المنوط بتلك البنوك، لأن التنمية الحقيقية تعتمد أساساً على إقامة المشاريع المنتجة والمشغلة لليد العاملة بشكل دائم، وهذا لا يتأتى إلا بالتمويل متوسط وطويل الأجل والتي يتجسد عادة في المضاربات والمشاركات، لكن بعد عديد التحذيرات للبنوك الإسلامية تراجعت نسبة الاعتماد على المرابحة وأصبحت حالياً تتراوح بين 40 و 35 % من إجمالي تمويلات البنك بعد أن كانت تقارب 80 إلى 90 %في بدايات عمل هذه البنوك. متأملاً في انتشار الصكوك الإسلامية إصداراً وتداولاً في الأسواق المالية مستقبلاً أن يساعد البنوك الإسلامية في حل مشكلة الاعتماد على التمويل قصير الأجل لإمكانية تسييل الاستثمارات طويلة الأجل الممثلة بالصكوك. مشدداً أن المشكلة تبقى في ضرورة تقيد تلك الصكوك بالضوابط الشرعية، إذ إن القائمة منها على الأصول تقترب في صفتها من السندات التقليدية، وهي النوع الأكثر إصداراً وانتشاراً للأسف حالياً. كما أن صغر حجم البنوك الإسلامية يمثل عائقاً أمام تطور المصرفية المتوافقة مع الشريعة، فإذا علمنا أن أكبر بنك في العالم حالياً هو Deutsche Bank ويبلغ مجموع أصوله 2.8 تريليون دولار أمريكي، في حين أن حجم التمويل الإسلامي في العالم بمختلف فروعه يبلغ حالياً حوالي 1.6 تريليون دولار أمريكي، مما يعني أن حجم هذا التمويل مجتمعاً يمثل فقط حوالي نصف أصول أكبر بنك في العالم. فالبنوك الإسلامية من الحجم الكبير لا تمثل إلا نماذج نادرة ومحدودة، كمجموعة البركة المصرفية، والبنك الإسلامي للتنمية وهو دولي حكومي ذو طبيعة خاصة، فبعد أن كنا ننتظر تأسيس بنك إسلامي كبير تحت اسم «المصرف» في البداية ثم «الاستخلاف» أو «الإعمار» في البحرين أو في ماليزيا ولم يتجسد لحد الآن، طالعتنا الأخبار بعد ذلك بقرب تدشين بنك إسلامي آخر يعد الأكبر عالمياً بالدوحة (قطر)، برأسمال يزيد عن 10 مليارات دولار، عبر شراكة بين كل من: حكومة قطر التي ستساهم فيه بنسبة 30 % إضافة إلى كل من مجموعة دلة البركة والبنك الإسلامي للتنمية. وعلق الدكتور سليمان ناصر بأنه يبقى هناك تحدٍ كبير تعاني منه البنوك الإسلامية حالياً، هو مشكلة تضارب الفتوى بين الهيئات والمنظمات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي، إذ من غير المعقول أن تصدر الأيوفي معياراً لتنظيم عملية التورق، ثم يصدر بعدها مجمع الفقه الإسلامي الدولي (وهو أكبر المجامع الفقهية وأشهرها) فتوى تحرم التورق خاصة منه المنظم والعكسي، لذلك لابد من حل مشكلة هذا التضارب. وبالنسبة لمشكلة التقيد الشرعي في العمل المصرفي الإسلامي فيبقى حلها في ضرورة وجود تدقيق شرعي، خاصة منه اللاحق لعمل الهيئات الشرعية، بشرط ألا يتحول إلى عمل تجاري محض، مما قد يؤثر على مضمون العمل ونوعيته. أما التحدي الأكبر في نظر ضيفنا فهو ضرورة ابتعاد البنوك المتوافقة مع الشريعة قدر الإمكان عن الصورية في العمل، خاصة في عمليات التورق وبعض المرابحات الدولية، وهو السبب الرئيس في تحريم الأولى من طرف المجمع الفقهي الد ولي، مما يهدد (في حال استمرار الظاهرة) بانتقال عدوى التعاملات المالية الوهمية والمضاربات من المالية التقليدية إلى المالية الإسلامية، أي تصبح البنوك الإسلامية تتعامل وتموّل الاستثمار في الأصول المالية والمشتقات عوض الاستثمار في الأصول الحقيقية،وهي إحدى مسببات الأزمة العالمية الأخيرة. وفي ختام حديثه أشار إلى ضرورة ابتكار المزيد من أدوات التحوّط وإدارة المخاطر في التمويل الإسلامي، والتي يمكن أن نحصّن بها البنوك المتوافقة مع الشريعة ضد الأزمات، خاصة في ظل تحريم المشتقات المالية وأدوات التحوط التقليدي، إذ بسبب غياب أو نقص تلك الأدوات، خسرت الصناديق السيادية العربية (ومعظمها إسلامية) أموالاً ضخمة وصلت إلى حوالي 400 مليار دولار أمريكي خلال الأزمة العالمية الأخيرة، كان العرب والمسلمون في أمس الحاجة إليها. من جهته قال الاكاديمي وخبير المصرفية الإسلامية الدكتور سامر مظهر قنطقجي: تعمل صناعة التمويل الإسلامي على نمذجة الحلول التمويلية ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية والمتطلبات الفنية لحاجة الأسواق.لذلك كانت المصارف المتوافقة مع الشريعة ، والتي تشعبت أعمالها وتطورت، ونمت الحاجة إلى زيادة حجومها لتقابل الطلب المحلي والعالمي على أعمالها، ولازالت محدودية رأسمالها تعتبر التحدي الأكبر لانتشارها بل والعائق لكثير من أعمالها. مضيفاً أنه وخلال ذلك نشأت شركات التمويل المتخصصة التي توجهت لتلبية أنواع محددة من صيغ التمويل الإسلامي فظهرت شركات تمويل عقاري وأخرى للتمويل الشخصي وأخرى للمرابحات الدولية وغيرها للإيجار .. الخ. وتعتبر هذه الشركات شركات تمويل صغيرة جدا. ويعتبر البعض أن زيادة رؤوس أموالها هو من التحديات الواجب مجابهتها، والسؤال هل نتوقع ازدياد حجومها لتبلغ مصاف المصارف فنكون أمام عودة المصارف الاختصاصية من جديد؟. ويستطرد الدكتور قنطقجي قائلاً : إن شركات التمويل الأصغر أو ما شابهها تتعامل مع التمويلات الصغيرة بمرونة كبيرة لكنها تواجه مخاطر سيولة شديدة، ومخاطر تلبية كفاية رأسمالها إضافة لتوسع مخاطرها الائتمانية والتشغيلية، يضاف إلى ذلك المخاطر التنظيمية التي تحول دون كونها مصارف فتحرمها من مزايا وأعمال عديدة يمكنها القيام بها. مضيفاً أن البعض يعتبر أن إجبار المصارف المركزية لها على الالتزام بمعايير المحاسبة الدولية هو قيد عليها، وحقيقة الأمر أن المعايير المحاسبية الدولية أو الإسلامية هي أداة تطوير لها فضلا عن الدور التنظيمي لهذه المعايير في بتطوير وتحسين بيانات تلك الشركات. كما ارتأى البعض إيجاد سوق مالية خاصة لها لمساعدتها على زيادة ثقة المكتتبين وزيادة الإفصاح والشفافية والحوكمة، وهذا كله يمكن تحقيقه دون الحاجة لسوق خاصة، لأن هذا الطلب غير منطقي ومكلف جدا، بل يمكن الحصول عليه بنشر تقارير مالية منسجمة مع المعايير الدولية. ويشير بأن العوائق والتحديات الأساسية أمام هذه الشركات هو طموحها إلى أن تصبح كبيرة بحجم كادرها الفني والإداري لتصبح كالمصارف، لأنها ستخسر بذلك المرونة التي تميزها، وستخضع لبيروقراطية العمل المصرفي الذي يكون مقيتا في كثير من الأحوال، بل المطلوب أن تكون ذات رأس مال كبير يتيح لها السيطرة على الأعمال التخصصية وأن تستخدم التقنيات التي تساعدها على أتمتة أعمالها عبر وسائل الاتصال.أما العائق الثاني فهو الحاجة إلى الموارد البشرية ذات المنشأ الإسلامي، والتوجه الإسلامي، وليس تلك الموارد الآتية من الصيرفة التقليدية أو التي ليس لها غيرة على الصيرفة الإسلامية، أما عدم انتشار ثقافة شركات التمويل المتخصص فتعزا لقصور تسويق هذه الشركات لمفاهيمها ولتقديمها الحلول الابتكارية باستمرار لعملائها.