نظرية التقليد والمحاكاة والنمذجة إحدى النظريات الاجتماعية التي تبناها العالم السوسيولوجي الشهير جبرائيل تارد (1843-1904), الذي يرى أن (التقليد) أساس تعلم السلوك الاجتماعي أياً كان هذا السلوك.. نمطه ومظهره واتجاهه التربوي.. بمعنى أن السلوك يُكتسب من خلال تقليد الآخرين.. ومحاكاتهم وتزداد احتمالية تقليدهم في الاتجاهات السلوكية التي تخالف معايير المجتمع الأصيلة وقيمه الأخلاقية.. أو الخروج عن قواعد الضبط الاجتماعي والقيمي والديني, وهذه النظرية الاجتماعية يمكن إسقاطها على بعض الظواهر السلبية في مجتمعنا الرياضي ومكوناته.. فعلى سبيل المثال «ظاهرة القزع» في ملاعبنا الكروية ظهرت هذا العام بصورة مقززة بطلها بعض اللاعبين المحترفين الذين يسرحون ويمرحون في الميادين التنافسية بلا نظام رادع, أو إحساس ضابط, أو على الأقل احتراماً للذوق العام.. وقد تفننوا في قص شعورهم بأسماء ومظاهر ثقافية وافدة.. مثل قصات (الكابوريا والطاقية والمدرج).. ولعل أشهرها وأكثرها حضوراً على رؤوس أبطال نظرية التقليد (قصة سبايكي) أو عُرف الديك التي اشتهر بها نجم البرشا والكرة البرازيلية (نيمار) وغيرها من التقليعات والأفكار الغربية المستوردة, ويمكن تفسير دواعي ظاهرة القزع في ملاعبنا الرياضية وأشكالها المقززة في قالب علم النفس الاجتماعي.. إما بسبب لفت الأنظار نتيجة الشعور بالنقص أو عقدة الإحساس بالضعف, أو متابعة الموضة, أو حب التقليد الأعمى ومحاكاة بعض السلوكيات الثقافية الشاذة, والممارسات الخارجة عن السياق التربوي والنسق القيمي.. ومثل هذه الأفكار الغربية المستوردة التي نهت عنها شريعتنا الإسلامية, إذا لم تجد النظام الصارم الذي يعيد توازن الضبط الاجتماعي ورفع سقف (الوعي) في المجتمع الرياضي وتنمية خلاياه التنويرية, خصوصاً في ظل هشاشة البنية الفكرية في نسيجنا الكروي, وضعف تركيبته الثقافية كنتاج طبيعي لضعف الحالة التعليمية والمعرفية, واتساع دائرة (اللا وعي) لمعظم اللاعبين المحترفين..حتماً سنشاهد مزيداً من الأفكار الثقافية الوافدة, والتقليعات العولمية الشاذة على سلوك وتصرفات بعض اللاعبين.. وربما يظهر على المشهد الرياضي من ينطلق من (نظرية التقليد).. وقد صبغ شعره بألوان الطيف وعلى طريقة المهرجين في ساحة الألعاب الفكاهية..!! بشكل مقزز لا يليق بانتسابه وانتمائه إلى نشاط تهذيبي.. يُفترض أن يلتزم بقواعده الأخلاقية ومبادئه اتربوية.. وعدم الخروج عن سياقها القيمي والاجتماعي بتلك التقليعات الشاذة وسلوكياتها المَرضية التي اعتلت سنام بعض رؤوس اللاعبين بصورة منفرة.. ومع تساهل أمانة الاتحاد المنتخب في ضبط هذه التجاوزات المناهضه لمعايير المجتمع وقيمه الأصيلة, وغياب الوعي, قد تتسع مساحة الأفكار المستوردة.. فتظهر بعض التقليعات الخطيرة في وسطنا الرياضي كالوشم.. والوشم -بالمناسبة - يستخدمه معظم اللاعبين الأوروبيين (إيديولوجياً) للوقاية من الحسد أو العين الحاسدة, ومن الأمراض العصبية والنفسية, بينما اللاعبون في أمريكا الجنوبية تحديداً يستخدمونه تعبيراً أو رمزاً للقوة والشجاعة والتفاخر, كما تمثّل بعض الوشوم المواقف البطولية للرجل وتدل على ذلك الرسوم والرموز والكتابات ذات المعاني الثقافية ودلالاتها الإنثروبولوجية, وقد تغزو هذه الآفة المَرضية الوافدة - ومن بوابة التقليد الأعمى - عقول بعض (نجوم الملايين) ونشاهد أصباغ الوشم على الأذرع والصدور والظهور مطبوعاً بلا حياء أو خجل, ولا نستبعد قيام البعض بارتداء سلاسل حول العنق وغيرها من التقليعات الثقافية الوافدة, وربما نرى من اللاعبين وقد أخذوا بزمام التشبه باللاعب الغربي في محاولة تقليده في سلوكه ولباسه وطقوسه..!! وكل هذه الممارسات الفكرية الغربية في «قالب النمذجة» إذا لم تُعالج من المؤسسة الرياضية, واتحادها المنتخب, ومن أيضاً الأندية وأنشطتها الثقافية, بالنظام الضابط, والنهوض بقالب التنوير الفكري وتوعية المجتمع الرياضي من مخاطر هذه السلوكيات الوافدة وتأثيرها على وعي وقيم وثقافة اللاعب بشكل عام.. ربما نجد أنفسنا أمام أزمة ثقافية وتربوية وأخلاقية حقيقية يصعب الانفكاك منها أو الخروج من دائرتها المظلمة, وبالذات في مجتمعنا الرياضي. تنويه واعتذار نتيجة خطأ مطبعي في تقرير تضمَّن عدد الكراسي البحثية في الجامعات السعودية.. الذي تناولته في مقالة الأسبوع الماضي بعنوان: «أين الكراسي البحثية الرياضية؟»، حيث لم يُكتب عددها بشكل واضح (002)!! والصحيح أن إجمالي الكراسي البحثية التي طرحتها الجامعات السعودية (200) كرسي علمي.. لذا لزم التنويه والاعتذار عن الخطأ غير المقصود.