يحدث أن يقدم نفسه أحدهم كناقد في برنامج - ما- دون أن يكون لديه الإلمام بأدوات النقد، بينما النقد فن أدبي رفيع، يتطلّب الدقّة والإلمام التام بعلم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني، وعلم العروض والقافية، وكل منها أمر ليس في متناول الجميع، وبالتالي فإن مجاملة غير المتمكن من هذا الفن الأدبي وتقديمه للآخرين بصفة لم تكتمل شروطها في شخصه، هو خداع لأطراف عدة، قبل ضمير من أُوكِلتْ له مهمة أي فعاليات أو مسابقة، ولا يضير كل صادق منصف أن يقول لمن لا يملك أدوات النقد إنه ليس ناقدا، حتى لو غضب (الموهوم بالنقد) بعد صفعة الواقع العابرة والمكاشفة التي ستكون أخف وطأة من تبعاتها، لأن ما بني على باطل فهو باطل ولا يصح إلا الصحيح، بل إن عداوته المؤقتة ستتحوّل إلى صداقة إذا ما ثاب إلى رشده ولا يصح إلا الصحيح. يقول الشاعر المتنبي: ومن العداوة ما ينالك رشده ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ وفي المقابل يقول الشاعر نفسه كما جاء في «إمبراطور الشعراء،» إن ترك الإنصاف داعية القطيعة ومجلبة الشقاء بين الناس، وإن كان بينهم صلة رحم وجامعة قرابة: ولم تزل قلة الإنصاف قاطعةً بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم فالمحصلة النهائية لممارسة مُدّعي النقد ما لا يفقه فيه هي تفعيل للمقولة الساخرة من «تكلم في غير فنّه أتى بالعجائب»، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، بل هو كالذي يتحدّث في الأدب وهو قليل أدب تماهياً مع قول الشاعر ابن الرومي: ومِنْ قِلّةِ الإنصافِ أنَّك تَبْتَغِي المُهَذَّبَ في الدُّنْيا ولسْتَ المُهَذَّبا كما أن من الوفاء للشعر أن يؤدي المؤتمنون عليه دورهم برجولة حقّة ومصداقية قبل أن يعرّوا أنفسهم ولا يأبه أحد بعد ذلك بإحراج موقفهم بشكل موضوعي، بعيداً عن أي شخصنة لا تعني كل جاد طالما ارتهنوا لآراء انطباعية باسم النقد المظلوم بمقاييس تخصهم وحدهم وآراء لا تتجاوز أرنبة أنف أحدهم، والمثل يقول (لا تحكم على الناس بمقاييسك) (do not apply your own standard to other). وقفة للشيخ راكان بن حثلين رحمه الله: ما قل دل وزبدة الهرج نيشان والهرج يكفي صامله عن كثيره