الحراك السياسي مثل لعبة الشطرنج، ولا يمكن للمتابع أن يفهم الأحداث خارج سياقاتها، وتسلسلها الزمني، والتحليل الآني للأحداث يعتبر قاصرا ، فما يحدث اليوم قد يكون نتيجة لأحداث سابقة متراكمة على مدى سنوات، أو ربما عقود، ومن يتابع دراسات مراكز البحوث العالمية يعلم جيدا أنهم يقرؤون الحاضر، عطفا على أحداث الماضي، ثم يحاولون استتشراف المستقبل، أو ان شئت الدقة « التخطيط « للمستقبل، ولعله لا يخفى عليكم أن معظم مراكز الدراسات المرموقة في العالم الغربي تقدم خدماتها للحكومات، والتي بدورها تقدم لها الدعم اللوجستي بكل أشكاله، فدعونا نستعرض شيئا من تلك الأحداث، دون الحاجة للتعليق عليها. قبل أكثر من عقد من الزمان، تحدثت كونداليزا رايس عن إعادة هيكلة الشرق الأوسط، وكانت اسرائيل، وتحديدا شمعون بيريز في قلب ذلك الحدث، ثم تتابعت الأحداث في عالمنا الملتهب بشكل يدعو للريبة، فبعد فوز حركة فتح بالرئاسة الفلسطينية، انقلبت عليها حركة « حماس «، وشكلت حكومتها المستقلة، ثم بدا واضحا أن الحركة بدأت تنأى بنفسها عن محور الاعتدال، وتبحر باتجاه ما يسمى « محور الممانعة !!»، ولا ندري حتى اليوم ماذا يمانعون، ومن يقاومون ؟!، وعندما انتقد بعض المحللين المستقلين توجه حماس نحو ايران، ردت كتائب « النخب العربية « بأن حماس تفعل هذا مجبرة !، لأن «محور الاعتدال « تخلى عنها، وهذا ادعاء باطل، فقد كان هذا المحور يدعمها بكل شكل ممكن، ولا زلنا نذكر مبادرة الملك عبدالله للصلح بين فتح وحماس تحت الكعبة المشرفة في مكة الكرمة، وهو الأمر الذي انقلبت عليه حماس بعد فترة وجيزة، وماذا بعد ؟. تزامن انقلاب حماس مع تطور ما اطلق عليه مشروع « الهلال الشيعي «، اذ بدا عراق الرشيد وكأنه محافظة ايرانية، مع تشكل الحوثيين في اليمن، وحملهم للسلاح، ومغامرات حزب الله اللبناني، ثم بدا « التثوير العربي «، وتسلم تنظيم الإخوان المسلمين بموجبه الحكم في مصر وتونس، وضربت قوات حلف الناتو ليبيا، والعرب يصفقون لهم، ثم اتضح لاحقا أنه كان لحركة حماس دور فاعل في الثورة المصرية !، وهذا متوقع، فتنظيم الإخوان الذي يحكم غزة يأتمر بأمر مرشد التنظيم الرئيس في القاهرة، وها هو حزب الله يقتل السوريين الثائرين على نظام الأسد، الحليف الرئيس لإيران، وهاهو حسن نصر الله يعلنها مدوية بأن الحزب، والذي انخدع به العرب، والمسلمين كثيرا ، لا يعدو أن يكون أداة ايرانية تأتمر بأمر الولي الفقيه في طهران، حتى ولو جاءتهم الأوامر بأن يقتلوا الشعب العربي السوري من الوريد إلى الوريد، كما يفعلون الآن، ثم نختم بالباقعة الحقيقية، وهي تحالف « تنظيم الإخوان، قبل سقوطه « مع طهران، وموقفه المتخاذل من الثورة السورية، وما عليكم والحالة هذه إلا أن تربطوا هذه الأحداث، وتستنتجوا منها ما كان يراد بكم ، فيما لو سار المخطط المرسوم للشرق الأوسط الجديد دون عوائق، والعوائق هنا هي « النباهة السياسية لمن يترك أعماله الجبارة تتحدث!!».