منذ فترة الثمانينيات والسعودة تسير على قدم وساق حتَّى أحرزت مؤخرًا نجاحات كبيرة وملموسة في ظلِّ المزج والتنسيق بين مجهودات وزارتي الداخليَّة والعمل.. وقد تَمَّ رفع معدلات السعودة من فترة لأخرى بما يتناسب مع أعداد العاطلين وقدرات منشآت القطاع الخاص .. وكل ارتفاع في معدل السعودة كان يحقِّق استيعاب المزيد من الشباب السعودي العاطل، وبالتالي فإنَّ كل ارتفاع في معدل السعودة كان له مبرراته في مزيد من التوطين. الآن طرأ على الساحة المحليَّة مفهوم جديد وهو رفع سن التقاعد إلى 62 عامًا أيّ بسنتين، إلا أن التقاعد يُعدُّ أحد المنافذ الرئيسة لتوظيف الشباب السعودي، فكيف وما هي تداعيات تأخير سن التقاعد؟ البطالة.. يصل عدد العاطلين من السعوديين حاليًّا 629.0 ألف عاطل، منهم 265.4 ألف من ذكور و363.6 ألف إناث.. ووصل معدل بطالة السعوديين الذكور في عام 2013م إلى نحو 12.1 في المئة.. بينما وصلت نسبة بطالة الإناث ما يناهز 35 في المئة. وتُعدُّ بطالة النساء أكثر قسوة من بطالة الذكور، نظرًا لطبيعة البيئة المحافظة، بل إن الاحصاءات تشير إلى أن نسبة 68.8 في المئة من العاطلات عن العمل «السعوديات» أعمارهن ما بين 20-29 عامًا.. بمعنى أن 250 ألف سعودية لا تجدن عملاً.. أما الأمر الثاني المهم، فهو أن نسبة تناهز النصف تقريبًا من العاطلين عن العمل (ذكور وإناث) هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس أو الليسانس. كثير من التقديرات تذهب إلى احتمالات وصول عدد العاطلين عن العمل من السعوديين والسعوديات إلى ما يزيد عن 1.3 مليون فرد خلال العامين المقبلين. مسارات توظيف الشباب السعودي.. أفقيًّا يوجد مساران، إما التوظيف في القطاع الحكومي، وهو الأعلى ضمانًا والأكثر تفضيلاً لدى الشباب السعودي من الجنسين.. حيث يمثِّل السعوديون نسبة تصل إلى 93.0 في المئة من إجمالي عمالة القطاع الحكومي.. ثانيًّا: التوظيف في القطاع الخاص، وهو توظيف إجباري - اختياري قائم جوهريًا على تطبيق نسب السعودة والتوطين. أما رأسيًّا، فإنَّ توظيف السعوديين ينقسم إلى ثلاثة أنواع: أولاً: التوظيف بناء على زيادة الطاقة الاستيعابية لدى القطاع الحكومي، وهو توظيف بطيء وضيق، نظرًا لحدوث نوع من التشبع لدى الحكومة في طرح وظائف جديدة، فضلاً عن أن هذا المسار ضيق لأن الكادر الحكومي لا ينمو بشكل كبير، وإنما يسجل درجة عالية من الثبات. ثانيًّا: التوظيف بالإحلال محل العمالة الوافدة في ضوء نسب ومعدلات التوطين المفروضة غالبًا «توظيف السعودة».. وفي الآونة الأخيرة، تسارعت معدلات التوطين في ضوء برامج وإجراءات جديدة فرضتها وزارة العمل. ثالثًا: التوظيف بناء على الإحلال محل المتقاعدين، في ضوء وصولهم إلى سن التقاعد أو في ضوء سعيهم للتقاعد المبكر لأيِّ سبب من الأسباب، الذي يمكن أن نسميه مجازًا «بتوظيف القعدنة». رفع سن التقاعد إلى 62 عامًا.. التقاعد هو انقطاع الشخص عن أداء وظيفته، وكان في الماضي يرتبط هذا التقاعد بوصول الفرد لحالة الشيخوخة، إلا أنّه حاليًّا نظرًا لتحسن الحالة الصحية، وارتفاع معدلات الشيخوخة إلى ما فوق ال70 عامًا بالمملكة، فإنَّ التقاعد لم يعد كما في الماضي كتقاعد إجباري نتيجة حالة صحيَّة سيئة، وإنما إما هو تقاعد اختياري، أو في كثير من الحالات يتم الاستمرار في مزاولة العمل. النظام بالمملكة يقوم على سن التقاعد عند 60 عامًا، والقرار الجديد يثير عملية رفعه إلى 62 عامًا، بشكل سيؤخر عملية التقاعد لفترة سنتين، الأمر الذي يُتوقَّع معه تدنِّي أو تضاؤل توظيف الشباب السعودي في مسار الإحلال محل المتقاعدين بشكل كبير.. فلو طبق هذا القرار الآن نتوقع أن عدد السعوديين الذين كان من المتوقع توظيفهم محل متقاعدي عام 2014 و2015م يمكن أن يعادل الصفر نظريًّا، لأن المتقاعدين سيستمرون في عملهم طيلة هذين العامين. احصاءات المتقاعدين بالمملكة يشير تقرير إحصائي صادر عن المؤسسة العامَّة للتقاعد إلى ما يلي: - يصل إجمالي عدد المتقاعدين (571.367) متقاعدًا، منهم (429.163) متقاعدًا من الأحياء، ونحو (142.204) متقاعد متوفى. - في عام 2012م، بلغ إجمالي ما تَمَّ صرفه كمعاشات وكدفعة واحدة حوالي 395.7 مليون ريال. - وصل إجمالي عدد المستفيدين (375.588) مستفيدًا. - أن عدد المتقاعدين الذكور بلغ عددهم (527.417) وبنسبة قدرها (92.3 في المئة) من إجمالي عدد المتقاعدين، بينما بلغ عدد المتقاعدات الإناث (43.950) متقاعدة وبنسبة قدرها (7.7 في المئة) من إجمالي عدد المتقاعدين. - في سن (60) عامًا، بلغ عدد المتقاعدين في عام 2012م حوالي 109.1 ألف متقاعد. 68.0 ألف وظيفة سيفتقدها الشباب خلال العامين المقبلين.. إن تَمَّ تطبيق القرار، فإنَّه بشكل بسيط يمكن توقع فقدان سوق العمل بالقطاع الحكومي لحوالي 68.0 ألف وظيفة، كان يتجه لها حوالي 93.0 في المئة من الشباب السعودي، أيّ أن هناك حوالي 63.2 ألف وظيفة مرغوبة ومفضّلة لدى السعوديين «ذكورًا وإناثًا» سوف تختفي. البعض يبرر هذا القرار بأنه قرار يصب في مصلحة المؤسسة العامَّة للتقاعد التي سيتم تخفيف أعباء المتقاعدين عليها بما يعادل إنفاقها لمدة عامين على الزيادة في عدد المتقاعدين، أيّ بحوالي 88 مليون ريال.. حيث إن العدد الجديد لمتقاعدي 2012م البالغ حوالي 34.0 ألف متقاعد يكلِّف المؤسسة حوالي 44 مليون ريال تقريبًا، ومن ثمَّ فإنَّ العامين سيوفرا على المؤسسة حوالي 88.0 مليون ريال (كل هذه الأرقام تقديرات لتبسيط الواقع، ولكنها ليست دقيقة). ولكن السؤال الأهم: أيهما أكثر تكلفة على الدولة: هل دفع مستحقات التقاعد للمتقاعدين الجدد بقيمة تناهز 44.0 مليون ريال سنويًّا أم تأخير توظيف ما يناهز 34 ألف من السعوديين؟ بالطبع أن المتقاعدين الجدد «المتقاعدون في سن الستين نظاميا» لا يصلون سنويًّا إلى حوالي 34.0 ألف متقاعد، ولكن هذا الرقم شامل للمتقاعدين نتيجة أسباب أخرى مُتعدِّدة، ولكن أهمها الوصول إلى سن التقاعد الإجباري. بإيجاز، فإنّه في الاعتقاد أن تأخير توظيف الشباب يكلِّف الدولة أكثر كثيرًا من مستحقات المتقاعدين بمؤسسة التقاعد، بل إن التأثير النفسي والمعنوي الذي يصيب الشباب نتيجة تأخر توظيفهم أكثر وطأة، مما قد يصيب المتقاعد عن تقاعده، وخصوصًا أنّه قد عمل وأنجز وربما نجح في حياته ووصل إلى مناصب قياديّة في كثير من الأحيان.