لقد اطلعت على ما كتبه الدكتور - صالح التويجري في صحيفة الجزيرة في عددها 15191 الجمعة 03 - رجب - 1435ه، حول أن الأئمة والخطباء مسؤولون عن علاج مرض الظلم الذي تفشى لدى بعض أبناء المجتمع، فأقول: الظلم هو مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير مواضعه الشرعية، {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وسبب الكتابة عن الظلم، وقوع كثير من الناس فيه وهم لا يشعرون وعدم معرفة حقيقته والتفريق بينه وبين اجتهاد الحاكم أو قضاء القاضي وأنواعه، الأول: أن يظلم العبد نفسه بالشرك بالله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وهذا لا يغفره الله، والثاني: أن يظلم العبد نفسه بالمعاصي، وهذا لا يعبأ الله به وهو أرحم الراحمين، والثالث: أن يظلم العبد غيره من العباد وهذا لا يترك الله منه شيئاً وهو مقالنا، والظلم قد حرّمه الله على نفسه كما في الحديث القدسي: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، والظلم يقع من جميع الكائنات حتى البهائم، ولذا دلّت السنّة على أنه يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء، وأما أسبابه فكثيرة منها: موافقة الظالم أو إرادة الانتقام أو القوة أو الحسد... إلخ، وأعظم الظلم أن يُظلم العالم وأهل الفضل والجار والوالدان لما دلّت على ذلك السنة الصحيحة فقد فرّق النبي - عليه الصلاة والسلام - بين المعاصي والتجاوزات، فبيّن أن من أعظم الذنوب (الشرك بالله ثم أن تزاني حليلة جارك).. أيها القراء ليس من الظلم ما يتوهمه البعض من أن الحاكم إذا حكم فاجتهد فلا يدخل في عداد الظالمين حتى وإن أخطأ وكذا قضاء القاضي واجتهاد المجتهد، والأصل في هذا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع.. الحديث) أي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قد يقضي للظالم على المظلوم اجتهاداً منه، ومن الظلم المنتشر اليوم في المجتمعات ظلم الكافر أو المستأمن أو المعاهد، وكذا الخادم والأجير والعمال ومنه ظلم الزوجات وعدم العدل بينهن وأخذ رواتبهن وعدم العشرة الحسنة معهن كترك المبيت أو الفراش وإهمال الأولاد، وقد يقع الظلم من الزوجة على زوجها وهذا كثير وللأسف الشديد، دعونا ندخل في صور الظلم المنتشرة، وأولها ظلم العامل الوافد في تكليفه بأعمال إضافية ومخالفة ما تم الاتفاق عليه بمكاتب الاستقدام أو تحويل عمله من سائق لمزارع مثلاً بدون رغبته أو تأخير راتبه أوالضغط عليه بقبول أعمال أخرى، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، وما أكثر الرواتب والمستحقات والمستخلصات التي تؤخر ظلماً في كثير من المؤسسات والقطاعات الخاصة والحكومية، وذاك السعودي صاحب الشركه لا يرفع بذلك رأساً وكأن العمالة لا تعنيه وكأنهم ليس لهم حقوق ويتعلل بأن الدولة تأخرت؟!.. فهذا ليس ذنبهم فإن الله حرم الظلم وجعله بين عباده محرماً وأخشى ما أخشاه أن نُعَاقَب جميعاً بظلم بعضنا، وكثير من الشركات والمؤسسات لا يرقبون في أحدٍ إلاًّ ولا ذمة يظلمونهم حتى سمعنا ووقفنا على قضايا محزنة عمالاً ومساكين لا يملكون حولاً ولا طولاً، الشهر يعقبه الشهر بل العام يتلوه العام وهم لم يقبضوا ريالاً واحداً، وهو ينام قرير العين وكأن الأمر لا يعنيه والأسوأ من ذلك أنه يأخذ منهم أموالاً في نهاية كل شهر، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأن الله يملي لهم، يقول عليه الصلاة والسلام - (لا تكلفوهم ما لا يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم) هذا في شأن المملوك من كان يملك بالرق، فكيف بشأن الوافدين الأحرار في هذا الزمن، وما شوهت صورتنا إلا لما يفعله بعضنا من ظلم وعدوان وبغي سواء من كان لهم مزارع أو ماشية أو عمالة منزلية كخادمة تُكلف بساعات كثيرة وإلزامها بالسهر لساعات متأخرة في ليال الصيف مع الكد والغسل والكنس، والويل لها إن تأخرت أو تضجرت، فالولد يصرخ والأم تشتم والأب يتوعد!.. ومن الظلم ظلم الأراضي وتغيير منار الأرض وأكل ميراث الأخوات أو أكل مال الزوجة وأكل مال اليتيم والمماطلة في سداد الديون لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (مطل الغني ظلم) وشهادة الزور والشكاوي الكيدية وأخذ الرشوة والكتابات الجائرة على شبكة المعلومات، وكما أن الظلم يقع من القوي على الضعيف، فإن الضعيف قد يظلم بمعنى أن العامل قد يظلم كفيله وهي صور موجودة اليوم، ومما يسهم في توعية الجاليات عن خطورة الظلم جهود المكاتب التعاونية المشكورة حيال تثقيفهم وإرشادهم المستمر، ولذا لما ظلم أهل الكوفة أميرهم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، شكوا أميرهم سعد بن وقاص إلى عمر بن الخطاب بأنه لا يحسن الصلاة ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في العطية ولا يسير في السرية، فأرسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو من هو في عدله وإمامته رجالاً ليستوثقوا الخبر، فتبين أن صاحب الشكوى الكيدية هو أسامة بن قتادة العبسي، ونه ظالم لسعد فدعا عليه سعد بن أبي وقاص: (اللهم أعمي بصره وأطل عمره وأدم فقره وعرّضه للفتن) فاستجاب الله له وأصيب بدعوة سعد، وهذه صورة من صور الظلم التي تقع فيها الرعية ضد الراعي، وتأمل لما ظلم الناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهو الحاكم وخذلوه وقتلوه، انتصر الله له بعد موته فخذل من خذله ونصر من نصره وقتل من قتله ولما ظلموه من أجل قرابته بني أمية جعل الله الملك في قرابته بعد رحيله أكثر من سبعين عاماً، يقول الإمام ابن كثير، وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في ترجمته لعثمان وفضائله بعد حكايته هذا الكلام: (الذين قتلوه وظلموه وألبوا عليه قتلوا إلى عفو الله ورحمته، والذين خذلوه خذلوا وتنغص عيشهم، وكان الملك بعده في نائبه معاوية وبنيه، ثم في وزيره مروان وثمانية من ذريته استطالوا حياته مع فضله وسوابقه فتملك عليهم من بني عمه بضعاً وثمانين سنة فالحكم لله العلي الكبير) هذا لفظه بحروفه، وفي خبر عثمان - رضي الله عنه - عبر وتدبر قول ربنا: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية ولاية معاوية السلطنة وأنه سيملك لأنه كان ولي عثمان وقد قتل عثمان مظلوماً، وتأمل ما هو قريب منا لما ظلم الأتراك أي الدولة العثمانية آل الشيخ في الدرعية وآل سعود وقتلوهم وقامت الحملات التركية سنة 1233ه بقيادة إبراهيم باشا وجاءت إلى نجد وقتلت أنصار الدعوة السلفية فنصرهم الله ثانية وثالثة وذهب ملك الأتراك بظلمهم فإن العاقبة للمظلوم كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}..{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}..{وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، ثم إني أنادي أخي المظلوم: أياً كان الظلم وعلى الرغم مما اقترفته أيدي الظالمين فإن تحمل الألم والظلم والارتفاع فوق الجراح أفضل عند الله تعالى، يقول سبحانه: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.. ولما شتم رجل أبا بكر الصديق ورسول الله جالس يتعجب ويتبسم فلما أكثر عليه الرجل القول رد عليه أبو بكر بعض قوله فغضب رسول الله فقام وقام أبو بكر خلفه، فتبع أبو بكر الرسول وقال: كان يشتمني يا رسول الله وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت!! فقال رسول الله: إنه كان معك ملك يرد عليه فلما رددت عليه أنت قام الملك وقعد الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال: يا أبا بكر هن حق تعلمهن ما من عبد ظلم مظلمة فيغض عنها إلا أعز الله فيها نصره..)، فعليك أخي المظلوم بالصبر فإنك ستظهر، ومن الآثار الوخيمة للظلم زوال النعمة والندم وقلة الحسنات وكثرة السيئات وزوال الملك فإن زوال الدولة الأموية والعباسية وكذا العثمانية كما سبق ذكره سببه الظلم، يقول شيخ الإسلام: والدنيا تدوم بالعدل مع الكفر ولا تدوم بالظلم مع الإسلام، يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: إذا دعا المظلوم في الدنيا على ظالمه واستجيب دعاؤه فقد اقتص منه في الدنيا وأما إن سكت ولم يدع ولم يعف عنه فإنه يقتص له يوم القيامة والعفو أفضل، فمن عفا وأصلح فأجرهلى الله، فهل أنت أخي المظلوم تريد حسنات معدودة من ذلك الظالم، أم حسنات من عند الله لا شك أن ما عند الله أفضل، فيجب أن نتسابق جميعاً للعفو عمن ظلمنا أو أساء إلينا.