يحب السعوديون بصورة عامة الفرجة على أي أمر يحدث، سواء في السوق، أو في أي مكان آخر، لكن هذا الأمر يتحول إلى ظاهرة سلبية وغير حضارية، بل خطيرة، عندما يتعلق ب»التجمع على الحوادث»، خاصة عندما يتجمهر البعض أمام أي حادث بهدف الفرجة، وليس لتقديم مساعدة أو لطلب الإسعاف، ويغلقون الطريق من دون مبرر، ما يعيق وصول المسعفين إلى المصابين بسرعة، فيفقد بعضهم حياته، كثيراً ما نشاهد التجمهر عند وقوع الحوادث المرورية، حيث أصبحت هذه الظاهرة تدل على وجود الحوادث قبل مشاهدة الحادث، وما أن يرى السائق أشخاصاً يتجمعون وسيارات متوقفة، إلاّ ويدرك أن هناك أمرا ما! حيث أصبح يعتقد البعض أن الشخص السعودي في طبيعته، ومن هواياته حب الاستطلاع والاكتشافات، حيث لو كان هناك حادث على السايد العكسي من الدائري مثلاً يقف السيرين الذاهب؛ ليعرفوا ما هي السيارة التي عملت الحادث! وكم هم عدد الجرحى وهل هناك قتلى لا سمح الله! وما موديل السيارة! وهل السيارة تستاهل أم لا!، فبدل أن يتصل على أصحابه يحذرهم من سلك طريق الحادث ليتفادوا الازدحام بل يوصيهم بالمرور من هذا الشارع! وليروا السيارة، ويسرعوا بالمجيء ليروا كل ما يحدث في الحادث! وكل من يمر بجانب السيارة يجب عليه أن يطق «بريك» ويفصل تفصيل دقيق للذي بجانبه والذي بجانبه يرى!! هذه المشكلة تنم عن قلة وعي المجتمع، فمن يحب أن يقف كي يرى حادثاً، وكأنه يتفرج على مباراة كرة قدم أو مسرحية، يفتقد إلى أبسط مقومات الحس الإنساني الاجتماعي أو الديني!! عندما رأيت المشهد التصويري الذي حدث في حي السويدي حول قضية الرجل السعودي الذي أقدم على قتل إحدى العمالة الوافدة في وضح النهار!! العامل يموتّ! أناس تركوا سياراتهم وأعمالهم؛ لكي يستمتعوا بمنظر الدم، لكي يستمتعوا باللحظات الأخيرة لهذا المصاب، لكي لا يفوتهم منظر الموت! لكي ينقلوا لأصحابهم ما شاهدوه بالأمس، وكأنه منظر جميل لا يمكن التفريط به، لسان حاله لا يهم أن ينقذ! الأهم أن أشاهد مشهد الموت الأخير! أي قلب يحمله هؤلاء المرضى المجرمون! أي ضمير يسكن بين ضلوعهم المهترئة! ما هذا الإحساس المعدوم في دواخلهم، ما شعورهم لو كانوا مكان هذا المقتول أو كان أخاه أو ابنه! متى نرتقي ونصل لدرجة من الوعي حيال مثل هذه الأمور، ما فائدة تصويرهم طالما الروح تزهق! فقد تكون هذه الدقائق «التصوير» هي الفيصل بين الموت والحياة بمشيئة الله، ضع نفسك مكان ذلك العامل وقد أطبق السكين على أضلعك، ومزق لحمك، وأنت تشاهد الموت بعينك! وتشاهد هؤلاء الفضوليين معدومي الضمير يحولون بينك وبين النجاة لتشغيل كاميرات هواتفهم! يقفون ببرود «يتفرجون» على نزيفك وألمك ومعاناتك! السؤال الكبير: هل يكمن تحميل هؤلاء موت أي شخص في مثل هذه الحالة من الناحية الشرعية والقانونية..؟