انتهت إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني بفاجعة، استقبلنا يوماً دراسياً تلفه ظلمة، وتغشاه كآبة الحزن الذي انتابني للخبر الكارثة (وفاة أبناء الدكتور البشري) لا يشبهه حزن بعد أن أحجمت لفترة طويلة عن الكتابة، حزني عليهم استفز قلمي واستنفر أوراقي. إن حادثاً مؤلماً بهذه المأساوية، فجّر، ذاك الصباح، أنهاراً من الأسى. فتح لجراحنا الباب على مصراعيه، فثار، ما كان منها خامداً. تعرّت القلوب من المشاعر إلا الحزن. في طابور الصباح كأني أفتش عن أفنان وأسماء اللتين لم أرهما قط، ولكن حزن الفقد داخلي ينتمي لكل حزين صباح مقفر من البهجة، حسرة متقدة، وكأن للألم يدا تقبض القلب وتعصره فيقطر حزناً. وجوه ألفناها... فغابت عن الوجود..سكنت القلب قبل المكان... أنّى لها أن تغيب! ينبوع فرح جار، نضب وجفّ بلمح البصر. خطوات متأهبة للبداية... كأنما أُسري بها فقفزت بلا تأن صوب النهاية ازهار بهية..أسعدتنا زمنا... راقصت أحلامنا.. أوهمتنا بمستقبل أشد خضرة من حقول الربيع... لم تترك سوى عبق شذى يتغلغل فينا ليوقظ ما شاء من ذكريات كانت هي الحياة وغياباً أشد حضوراً من الشمس في رابعة النهار. زغرد الجرح.. فانتشى الحزن وامتدت عروقه.. تحيل الخضرة والاخضرار إلى حطام. الأغصان المورقة النضرة.. لوحت للوداع مع الراحلين.. ترسل نغماً جنائزياً.. تمنح الحزن من كل الدروب.. فتصبها في أوردة القلب وشرايين الجسد ثمة حزن... يحتاج لأكثر من قلب. أما وقد وقعت المصيبة فليس إلا الصبر وتحري عظيم الأجر، وهذه الدنيا ليست إلا دار عمل وابتلاء، ومن ثَم فناء. والآخرة دار أجر وجزاء وبقاء، ومن ذا الذي يؤثر الفانية على الباقية. قال تعالى: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (72) سورة طه.. اللهم ارحمهم رحمة واسعة، اللهم أسكنهم غرفاً من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، واربط على قلبي والديِهم، وأذقهما اللهم في الدنيا حلاوة الصبر، وفي الآخرة عظيم المثوبة والأجر. آخر الكلام: خير من الأبناء صبرك بعدهم والله خير منك للأبناء