كنت مع زملاء آخرين نرافق في نهاية الأسبوع الماضي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة في رحلة استكشافية للجديد الذي جد في خدمات وزارة الصحة في منطقة الجوف، وامتداداً لمناطق الشمال الأخرى حائل وتبوك وعرعر، وكانت الموافقة على الزيارة في بدايتها ربما أنها كانت مجاملة للوزير، أكثر منها قناعتي بأن لدى الوزارة ووزيرها ما تفاخر به من خدمات ومستجدات بمستوى ما رأيناه رأي العين في منطقة يستحق أهلها كل هذا المستوى من الرعاية والاهتمام بالخدمات الصحية التي ستكون بتصرف وخدمة أهلنا الآخرين في مناطق الشمال الأخرى. *** وللتو كنت وقبيل بدء الزيارة لمنطقة الجوف عائداً من مرافقة سمو ولي العهد في زيارته للصين وقبلها في زياراته لباكستان واليابان والهند، وهذا يكفي للقول إن مرافقتي لمعاليه كانت من باب المجاملة نسبة للإرهاق والتعب اللذين يصاحبا عادة المرء في سفرياته الطويلة والبعيدة والمتتابعة، لكني للحق شعرت في هذه الرحلة بما أسعدني، وبالتالي أزال عني خوف المزيد مما توقعته من إرهاق وتعب، فقد كانت صحبة معاليه ومعالي نائبه والكوكبة من العناصر المتألقة من مسؤولي الوزارة، وكذلك اختياره لمجموعة من الأصدقاء والزملاء الكتَّاب، وما رافق هذه الرحلة من أجواء المرح والمداعبات الأخوية، كل ذلك ساعد بشكل عفوي على التأقلم مع الرحلة الجميلة والاستمتاع بها بأكثر مما توقعناه. *** لكن أكثر ما عزَّز هذا الشعور، وطمأننا - زملائي وأنا - أننا لسنا في رحلة مجهدة، بل في إجازة للاستمتاع والاسترخاء، إننا كنا بين أميرنا وأهلنا وأحبابنا في الجوف، يحيطون بنا ويبحثون عما يوفر الراحة لنا، كما هي أصالة ومعدن وكرم أهالي منطقة الجوف وسمو أميرهم، ووكيل الإمارة المضياف أحمد آل الشيخ، حتى تمنى كل منا لو أن الوقت يسعفه دون إخلال بالتزاماته ومسؤولياته ليقضي مزيداً من الوقت في هذه الديار الجميلة بين أميرها وأهلها. *** أكتب هذا، وقد شملنا سمو أمير المنطقة فهد بن بدر باهتمامه ورعايته، وأسمعنا من الكلمات والمعلومات ما أسعدنا عما تم من إنجازات في المنطقة، وما هو تحت التنفيذ من مشروعات تنموية أخرى، وكان في حديثه واضحاً وشفافاً ومتفائلاً بأن المنطقة موعودة في المستقبل بالكثير من المشروعات التي ستضيف إلى معالمها وخدماتها ما سيكون محل تقدير جميع المواطنين في المنطقة، حيث إن مظاهر الثراء في التنظيم والخدمات والتطور تثير الانتباه وتؤكد أن تفاؤل أمير المنطقة في مكانه الصحيح. *** كان وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة محقاً، وهو يدعو هذا العدد من الكتاب ليقفوا بأنفسهم على الإنجازات الطبية المبهرة والهائلة في منطقة الجوف، فهو كمن أراد على ما يبدو أن يجلو الغموض أمام إنجازات وزارته وسط هذا الكم الهائل من الانتقادات والاتهام بالتقصير والقول عن تدني الخدمات، فيما ليس هناك حديث عن هذا الذي يجري من حراك في وزارته تمثَّل في عدد من المدن الطبية والمستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة التي يجري تنفيذها ليس في منطقة الجوف، وإنما في كل مناطق المملكة وفقاً للتوجيه الملكي الكريم وبحسب ما هو مقرر في ميزانية الوزارة. *** الوزير الربيعة أرجع هذه الإنجازات إلى الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز بإعطاء القطاع الصحي حاجته من ميزانية الدولة، وفي هذا أشار الوزير أيضاً إلى دور مهم لرجلين دعما خطوات الوزارة الأول سمو أمير المنطقة الذي ساعد وأعان الوزارة بالحصول على المساحات التي طلبتها من الأراضي لمشروعاتها الآنية والمستقبلية، والثاني وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بتفهَّمه لمتطلبات الوزارة واحتياجاتها ووضعها ضمن أولوياته عند توزيع بنود الميزانية على مختلف القطاعات الحكومية، وذلك استشعاراً منه بأهمية الخدمات الصحية، ولأنه بذلك إنما يستجيب لتوصيات المليك وولي العهد. *** يقول الوزير للزملاء ولي ونحن في طريق العودة إلى الرياض، إن أي مشروع صحي ما لم تكن هناك قوى بشرية متخصصة ومدربة، فإنه سيعاني كثيراً ولن يحقق الأهداف التي وجد من أجلها، لذلك فقد سارعت الوزارة بابتعاث عدد من الشباب والشابات إلى خارج المملكة لتلقي بعض التخصصات والدورات والتدريب قبل البدء بتنفيذ المدينة والمستشفيات والمراكز الطبية بالجوف، حتى تكون جاهزة للعمل مع اكتمال المباني والتجهيزات في هذه المشروعات الصحية، وجميعهم من أبناء وبنات المنطقة لضمان استقرارهم في مدنهم وبلداتهم والعمل بما تم ابتعاثهم من أجله في نفس المكان وليس في غيره. *** يضيف الوزير وهذه المرة قبل أن نبدأ الجولة معه على المرافق والمنشآت والمستشفيات والمراكز الطبية التي سيتم افتتاح بعضها ووضع حجر الأساس لبعضها الآخر وتفقد ما هو تحت التنفيذ منها، أن جميع هذه المنشآت التي سترونها يتم مراقبة سير العمل فيها على مدى الأربع والعشرين ساعة من الرياض، حيث توجد غرفة تحكم ومراقبة على مدار الساعة وتنقل أجهزة التصوير للمختصين بالرياض سير العمل، بحيث تتم معالجة أي قصور إن وجد لحظتها، مع ضمان عدم تعثر أو تأخر أي مشروع نظراً لما تواجهه عادة المشروعات في مدن الأطراف من عدم التزام مقاوليها بالمدد الزمنية المتفق عليها. *** ويتحدث الوزير ونحن نقف معه أمام هذه المشروعات العملاقة أو نتجول بين أروقتها عن أنهم استعانوا بأشهر الخبرات في تصاميم المباني والإشراف عليها، مع حسن اختيار الوزارة للمقاولين ممن يتمتعون بقدرات وإمكانات عالية، وهذا ما سترونه - يقول الوزير - على أرض الواقع بعد اكتمال الجولة على جميع ما نفذ أو يجري تنفيذه من مشروعات في الجوف ولاحقاً في مناطق أخرى، حيث ستكون الأحساء هي القبلة الصحية القادمة في غضون الشهرين القادمين، حيث قطعت مدينة الأحساء والمشروعات الصحية الأخرى مرحلة متقدمة من الدراسات وبدء التنفيذ وبعضها أصبح جاهزاً للعمل. *** وربما تساءل القارئ عن بعض الانطباعات الشخصية بعد أن قرأ الأسبوع الماضي الكثير من التفاصيل عن هذه الإنجازات الصحية في منطقة الجوف، وهو تساؤل وجيه ومشروع، والأجمل منه أن الوزارة لم تتحدث كثيراً عن هذه المشروعات من قبل، وربما من سياساتها أنها أخرت التغطيات الإعلامية إلى اليوم الذي أصبحت معالم هذه المشروعات واضحة، وأن بعضها قد انتهى العمل فيه وتم افتتاحه، فيما يسير العمل بالبعض الآخر وفق الخطة الزمنية المتفق عليها ويتوقع أن يتم الانتهاء من المباني، واستكمال التجهيزات خلال عامين من الآن. *** وهكذا فيمكن اختزال انطباعي الشخصي بأن ما رأيناه قد أثلج صدورنا، وعمّق الشعور لدينا بأننا أمام طفرة صحية قادمة لم تشهدها المملكة من قبل، وأن ما تم في الجوف سيكون هناك ما يماثله بالأحساء ومكة المكرمة وغيرهما، وهذا هو توجيه خادم الحرمين الشريفين كما يقول وزير الصحة، ومرة أخرى يشدّد الوزير على أن القوى البشرية هي الأساس وهي موضع الاهتمام، ومع كل مشروع صحي هناك اهتمام بتوفير حاجته من المختصين من ذات المنطقة التي يقام فيها هذا المشروع أو ذاك، ولأن الهدف -كما يقول الوزير- هو توطين الأطباء والأجهزة البشرية المساندة لهم، فإن اهتمامنا بابتعاثهم وتدريبهم يأتي أولاً من اختيارهم من نفس المدينة التي توجد فيها المشروعات الصحية، وهذه ستكون سياسة دائمة وضمن دعم وضمان نجاح برنامج إقامة المدن الصحية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين. *** لقد كان أكثر ما لفت نظري ونحن نتجول على هذه المشاريع الصحية، حيث توجد القوى البشرية من أطباء وممرضين وغيرهم بانتظار الوزير ومرافقيه تكرار حديث الوزير على أن خدمة المريض والاهتمام به مسؤولية وأمانة وعلى الجميع القيام بها على الوجه الأفضل، ليأتي التجاوب من جميع القوى البشرية الصحية وبصوت واحد، نعم إن الاهتمام بالمريض أمانة في أعناقنا، مؤكّدين لمعاليه بذل الجهد لإرضاء المريض وكسب محبته، ضمن مسؤولياتهم وإمكاناتهم وقدراتهم التي وعدوا بها وقدرها لهم الوزير الربيعة. *** وفي ختام هذه الانطباعات السريعة، أذكر أننا نشرنا في صحيفة الجزيرة خلال الأيام الماضية تفاصيل موسعة عن المشروعات الصحية العملاقة في منطقة الجوف التي تم افتتاحها أو وضع حجر الأساس لها أو جرى تفقدها برعاية واهتمام أمير المنطقة فهد بن بدر بن عبدالعزيز، ما يعني أنني تعمدت أن أكتب هذه الانطباعات السريعة عوضاً عن تكرار ما نُشر من قبل، والأهم أننا سعدنا بضيافة سمو أمير المنطقة وأهاليها، ووكيل الإمارة، وقضينا ساعات جميلة مع وزير الصحة وزملائه بالوزارة ومع مدير عام الخدمات الصحية بالمنطقة وزملائه أيضاً، بأمل أن تتكامل الخدمات الصحية في منطقة الجوف بعد استكمال مباني وتجهيزات المدينة الطبية التي يجري العمل فيها الآن على مساحة تقدَّر بأكثر من مليوني متر مربع، وفيها ستكون كل التخصصات متاحة لخدمة مواطني الجوف وبقية مناطق الشمال بما لا حاجة لهم لتلقي العلاج بالرياض مثلاً.