القراءة الثالثة في مجلس الاتحاد الروسي (أعلى مجلس برلماني روسي) لقانون إعادة شبه جزيرة القرم للأراضي الروسية تمت بإجماع النواب. وبهذا تكون روسيا قد أكملت من ناحيتها جميع الإجراءات الدستورية لإعادة شبه جزيرة القرم إلى ملكيتها بعد أن (تبرع) بها نكيتاخروتشوف إلى أوكرانيا في منتصف الخمسينيات. وإذا كان ضم شبه جزيرة القرم في ذلك الوقت لأوكرانيا أمراً يمكن تقبله؛ كون روسياوأوكرانيا كانا إقليمَيْن في دولة واحدة في ذلك الوقت، هو الاتحاد السوفييتي، فإن ما يحدث في الوقت الراهن يُعدُّ إعادة (الفرع إلى الأصل)، أي إعادة القرم إلى روسيا، التي قد أثارت العديد من المشاكل السياسية؛ إذ وجد فيها الغرب - وبخاصة أمريكا وأوروبا - تجاوزاً وتوسُّعاً روسياً نحو أوكرانيا، إلا أن الروس - خاصة فيما يتعلق بالأمن الاستراتيجي - لا يبالون بالتخوفات الغربية حتى وإن قادها ذلك إلى مواجهات مسلحة، سواء مع أوكرانيا أو الحلف الأطلسي، وحتى أمريكا؛ ولهذا فقد استكمل بوتين ومن بعده المجالس البرلمانية إجراءات ضم القرم وإعادتها إلى السيادة الروسية. والروس يعتبرون شبه جزيرة القرم مهمة استراتيجية للأمن القومي الروسي؛ إذ توجد فيها قاعدة بحرية مهمة، يوجد فيها الأسطول الروسي للبحر الأسود، ومنها تنطلق البوارج والسفن والغواصات الروسية نحو البحر الأبيض المتوسط. وكانت روسيا تقدم تسهيلات وأموالاً لأوكرانيا، وتخفض أسعار الغاز والنفط الروسي، مقابل استعمال الجزيرة كقاعدة بحرية. الآن اختلف الأمر، وحتماً ستوقف روسيا مساعداتها، وترفع أسعار الغاز والنفط، بل حتى تطالب أوكرانيا برد الديون. والآن مع إقدام أمريكا والاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية وسياسية ضد روسيا فإن الغرب عموماً يعي تماماً أن موضوع ضم شبه جزيرة القرم قد حُسم، وأنه لا مجال لتراجع روسيا عن ذلك، والإجراءات الغربية التي اتُّخذت حتى الآن هدفها التصدي لروسيا، ومنعها من محاولة ضم أراضٍ أوكرانية أخرى، وبالتحديد إقليم شرق أوكرانيا، الذي ينحدر مواطنوه من أصول روسية؛ ويميلون إلى روسيا، ويتحدثون باللغة الروسية. وإذا ما أوقفت روسيا تحركاتها صوب شرق أوكرانيا فسوف يتم التراجع غربياً تدريجياً لحفظ ماء الوجه؛ إذ يعي الغرب التكلفة الباهظة لاحتضان أوكرانيا. كما أن الغرب يعرف تماماً أن التهام روسيا لشبه جزيرة القرم لن يكون سهلاً على الروس؛ لأنه سيزيد من مساحة مواجهة المتطرفين الإسلاميين، ومنهم كثير من التتار الذين يشكِّلون قرابة ربع سكان الجزيرة، الذين ينخرط الكثير منهم في أحزاب متطرفة، كحزب التحرير وجماعة التكفير والهجرة، وهذان الحزبان لهما نشاط وحضور قوي في القوقاز، الذي حتماً سيمتد إلى شبه جزيرة القرم وفق استراتيجيته في استهداف الأمن الروسي.