كنت في فترة استراحة بعد جولة طويلة بين ممرات المعرض. وجدت كرسيا معدنيا، رميت جسدي عليه لألتقط بعض أنفاسي. ثم أخذتني فترة تأمل طريفة في وجوه زوار المعرض. صور متعددة من مهرجان بشري يجمعهم مكان واحد لكن بهموم مختلفة. امرأة تدفع عربة طفلها الرضيع، وبيدها الأخرى كيس مملوء بالكتب. تبدو قلقة وهي تلتفت في كل ثانية إلى رضيعها. كدت أغبطها، إذ كيف تدفع العربة وهي توزع نظرها بين الرضيع وأجنحة الكتب؟ مرّ من أمامي شاب صغير السن، أعجبني هندامه. انتبهت إلى كثرة التفاتته، كأنه يبحث عن شيء ضائع. كان يتحدث بالهاتف إلى صديقه يصرخ به: (تعال بسرعة.. الوضع هنا فلّه)!! هذه الليلة شاهدت دودة كتب حقيقية. رأيته ساعة كاملة وهو في مكانه يقلب صفحات الكتب في جناح الدار المقابلة لي. مشهد من النادر أن تراه، ولو كان المعرض يفتح أبوابه طوال اليوم، لربما نام هذا الرجل في المعرض! مرت أمامي وجوه كثيرة من البشر، بعضها يحضر للمعرض (للمشاهدة)، آخرون وجدوها فرصة لممارسة هواية التصوير. شاهدت أحدهم وهو يرقى سلما طويلا خاصا بالصيانة ليلتقط صورة علوية للمعرض. كان المشهد مرعبا؛ إذ إن أي حركة بسيطة قد توقعه من أعلى السلم. أنهى الرجل تصويره ونزل دون أن يجد أحدا من الأمن يوقفه أن يرتكب حماقة ضد نفسه أو ضد الآخرين! شاهدت أبا برفقة أربعة من أطفاله. كان يحاول أن يرتب فوضى الأطفال. كلما حاول أن يكبح جماح انطلاقة أحدهم، تسرب آخر نحو جناح الأطفال. في النهاية غرق في الفوضى، وبدا كأنه في سيرك لا حدود له من الشغب! أما أغرب مشهد تقاطع مع تفرسي في الوجوه، فهو طريقة وأسلوب سير العائلة السعودية في المعرض. تمشي كأنها كتلة واحدة. إذا أراد فرد من العائلة التوقف عند جناح دار نشر معينة فإن جميع أفراد الأسرة تتوقف عند الدار عندما ينتهي عضو العائلة من مهمته. كنت أضحك لطرافة المشهد، إذ يبدو المشهد غير طبيعي. أعرف أن هذا الأسلوب السعودي مبتكر لأجل المحافظة على أفراد الأسرة من الفقد أو الضياع .. لكن أي فقدان وهم في معرض كتاب .. وليس في الصمان!