كم أتمنى لو جلست مع أبنائي ، لكنني مشغول! يا ليت لدي متسع لممارسة الرياضة.. لكن لا وقت عندي! بودي لو قرأت يوميا نصف ساعة.. ولكن تزاحم الأشغال يمنعني ! كم من شخص كرر تلك الجمل متحسرا متأوها! دونك تلك القصة: حارس منارة بحرية كانت تقدم له حصة شهرية من زيت الوقود، يحافظ بها على ضوء المنارة متوهجا.. زارته في إحدى الليالي امرأة من القرية المجاورة وطلبت منه قليلاً من الزيت لأجل أسرتها.. فأعطاها.. ثم ترجاه مسكينٌ قليلاً من الزيت من أجل مصباحه..فأعطاه، وفي يوم ثالث طلب منه عابر سبيل زيتا كي يزيت عجلته..وأعطاه! ولأن كل الطلبات بدت له معقولة وذات طابع إنساني، فلم يكن يرد أحداً! وفي نهاية الشهر ..نفذ مخزونه، فانطفأ ضوء المنارة فجأة، وفي تلك الليلة غرقت سفن كثيرة وعند التحقيق بدأ الحارس شديد الندم على ما حدث، ولكن على الرغم من اعتذاره، كان جواب المحققين: قُدم لك الزيت للمحافظة على ضوء المنارة ساطعا! نعم كان رقيق القلب لكن ينقصه فن إدارة الأولويات! هل تشكو ضعف الإنتاجية وكثرة الأشغال؟ هل يمضي يومك دون أي إنجاز يذكر؟ هل تتمنى لو كان يومك 40 ساعة ؟ هل تعاني من تراكم الأشغال وتزاحم المهمات؟ فقط تحتاج لعادة مهمة، تعد من أهم عادات الناجحين في الحياة ألا وهي :عادة ترتيب الأولويات! هل تعلم أن: قائمة الأولويات وجودة ترتيبها تحدد موقعك في الحياة؟ كثيرا من الفاشلين هم ضحايا ضياع أولوياتهم ؟ من لا يضع الأمور المهمة أولا فسوف يكون تحت رحمة الأمور غير المهمة! يقول أحد السلف: (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته ويقدم الأفضل فالأفضل ) وهو ما يعرف الآن بمصطلح إدارة الأولويات نعم فالفرق الأهم بين الناجح والفاشل ليس في مقدار الجهد المبذول فحسب بل في كون الناجحون ينجزون المهام بحسب أهميتها! فلا ينشغلون بتافه مادام هناك مهم، ولا ينشغلون بمهم ، إذا كان هناك أهم! لا غرابة إذن فالفاشلون يجنون الأقل وقد كان بوسعهم جني الأكثر! يقول أحد خبراء الإدارة: (في إمكانك الحصول على أي شيء تريده، ولكن يستحيل أن تحصل على كل شيء تريده) وقديما أكد الفكرة الأديب العجيب ابن المقفع عندما قال: «جسيم أمرك» أي (أهدافك الكبيرة) هو الذي ينبغي أن تصرف له وحق لك ذلك جل وقتك حتى تنجزه، في مقابل صغائر الأمور أو التوافه التي لا يسوغ لك أن تصرف لها أي وقت من حياتك!» إن من أعظم مولدات التعاسة في الحياة هو النجاح في جانب واحد كعمل أو تجارة على حساب الصحة أو الأسرة أو الدين وهو الأهم! وظاهرة تقديم المهم على الأهم ظاهرة ليست بالحديثة عند المسلمين؛ فقد كانت حاضرة منذ القدم بشهادة ابن الجوزي عندما قال - :»وفي زماننا من الناس من إذا جلدته حتى يصلي ما صلى، وإذا جلدته حتى يفطر في رمضان ما أفطر!» إن الحياة بلا أولويات مرتبة أمر بالغ الخطورة، بل أمر يضعف القدرات ويهدر الأوقات وما أروع وصف الخبير الإداري مايكل ليبوف عندما قال: إن تكريسك جزءا بسيطا من نفسك لكل شيء؛ يعني التزامك الشديد تجاه لاشيء! وفي إشارة لهذا المبدأ يقول الحق (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) لا يستوي عند الله مجاهد وساقٍ! وفي السيرة أن رجلا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يستأذنه في الجهاد، فسأله النبي: (أحيّ والداك؟) قال نعم. قال : (فيهما فجاهد) وهنا يقرر سيد البشر أن القيام بشؤون الوالدين ورعايتهما يتقدم في الاعتبار -في حالة السائل على واجب الجهاد في سبيل الله. وروي أن أحد طلاب الإمام مالك غادر مجلس العلم أثناء حديث الإمام ليؤدي أحد النوافل وعندما عاد قال له الإمام: والله ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت عليه! إن وقتك هو حياتك وهو أنفس ما تملك فلا تسمح لتوافه المهام وصغائر الأمور أن تسرق وقتك؛ فكن فطنا واحرص على ما ينفعك! كيف ترتب أولوياتك: 1- الخطوة السابقة لترتيب الأولويات هي وضع الأهداف فالأولويات تعني ترتيب المهام والأهداف. 2- الخطوة الأهم الذي تحدد من خلاله الأولويات هي تصنيف الأهمية وهو ما يختلف من إنسان لآخر فأهمية العمل أمر نسبي فقد يكون هذا العمل مهمًا بالنسبة لك وغير مهم لغيرك، وهو يتميز بتحكمك التام فيه، فأنت من تقوم بتحديد أهمية هذه الأعمال إلا أنه في بعض الأحيان قد تُفرض عليك أعمال ضرورية تتخذ الأولوية في جدول أعمالك. 3- بعد التفكير في ترتيب المهام وأهميتها دونها على ورقة. 4- ضع قائمة أعمال يومية غير قابلة للتسويف أو الاستثناءات. 5- احرص على أداء مهامك في الوقت الذي تكون فيه بكامل حيويتك وطاقتك. 6- قيم نفسك يوميا وأسبوعيا ما هي النتائج التي حققتها. قبل الأخير: كم من شخص يؤثر دقائق الأمور ويركز على مظلم الزوايا؛ تاركا خلفه عظيم الأشياء وسواطع الساحات! لا تكن منهم! ومضة قلم: من عظيم الحكمة معرفة الأشياء التي يجب تجاهلها!