مع مهرجان الجنادرية التاسع والعشرين ها نحن نطل على الماضي من بوابة الحاضر وعيوننا نحو المستقبل، في رحلة غنية بالثقافة والتراث، وفي مرحلة تتطلب منا جميعاً ألا ندير ظهورنا لما هو مصدر فخرنا، حفاظاً على تاريخ بهي مضيء لا تستقيم المتعة في حياتنا دون أن نحافظ عليه، ففيه كنوز خالدة ينبغي أن نتذكَّرها وأن نحتفي بها، وأن نحيي المناسبات عنها ولها، ونقول فيها وعنها ما تستحقه من قيمة تعزِّز مكانتنا بين الشعوب. *** اليوم يتجدد موعدنا مع هذا المهرجان الجميل؛ بأصالته وتراثه وثقافته وعبق تاريخه، حيث يلامس وجدان كل منا، ويسجل خلوده في تفكيرنا، متفاعلين تفاعل العشاق بكل هذا الوجه المشرق الجميل من تاريخنا وتراثنا وتقاليدنا، غير آبهين بأي صوت نشاز يحاول أن يعكر أفراحنا، أو يعيق حركة التاريخ الجارفة، أو يسيء إلى ما نرى فيه جزءاً من تاريخ آبائنا وأجدادنا. *** هناك قلة - نعم، قلة - لا تعجبهم هذه الفعاليات، وربما مارسوا عدوانهم عليها، وقالوا ما لا يصح أن يُقال فيها، وتحدثوا ما اعتقدوا - مخطئين - أنه سوف يشوِّه صورتها، بينما يأتي الاهتمام بها على أعلى مستوى دعماً ومساندة وتشجيعاً، تأكيداً من المليك على قيمتها وعلى ما ترمز إليه من دلالات غنية بالقيم، ضمن إيمان راسخ بأننا جزءٌ من هذا التاريخ الذي مرَّ من هنا، وعاشه الآباء وقبلهم الأجداد. *** لا علينا ممن يأخذ مواقف سلبية أمام كل منجز حضاري أو ثقافي أو تراثي أو سياحي، فقدوتنا عبدالله بن عبدالعزيز الذي شجع المجتمع للعمل ضمن منظومة واحدة لإحياء كل الأفكار والإنجازات الخلاَّقة التي كانت عليها المملكة ورجالها ونساؤها، فكان مولد هذا المهرجان على يديه ومن بنات أفكاره، وأحد مشروعاته الثقافية والتراثية العملاقة. *** لقد بدأت الجنادرية محدودة الفعاليات، متواضعة في التنظيم، أصداؤها محدودة، ونتائجها أقل من الطموحات التي رسمها لها عبدالله بن عبدالعزيز، لكنها سرعان ما بدأت تتشكّل على نحو يستجيب لأهمية الفكرة برمزيتها الثقافية وجانب التراث فيها، وأن تتحول من المحلية إلى المستوى الدولي في الاستقطاب والتنظيم والنتائج التي كانت متوخاة منذ الولادة ومرحلة التأسيس. *** وإن أي حديث عن هذا المشروع العملاق أو توصيف لفكرة وأهداف الجنادرية لن يرتقي إلى مستوى ما عبّر عنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أكثر من مناسبة، فخادم الحرمين الشريفين هو الأقدر والأقرب لترجمة أفكاره ورؤاه وأسباب إطلاقه لهذه الفكرة وتبنيها ودعمه لها إلى أن بلغت هذا المستوى المتطور من الإتقان والنجاح كإنجاز وطني ليس له ما يماثله - على حد علمي - في أي من دول المنطقة، فهي قرية تعرّف باختصار وفي مشاهد مثيرة بتراثنا وثقافتنا ضمن نشاطات وفعاليات أخرى. *** يقول الملك عبدالله بن عبدالعزيز ضمن حديث مطول أدلى به لوكالة أنباء ايترتاس الروسية إجابة عن سؤال حول المهرجان السنوي للتراث والثقافة في الجنادرية ونشر بتاريخ 12-2-2007 في صحيفة الجزيرة: المملكة دولة مترامية الأطراف وغنية بتراثها الثقافي المتنوّع، ومهرجان التراث والثقافة ملتقى سنوي يجمع بين كافة أبناء المملكة في بوتقة واحدة يحتفون فيه بتراثهم الأصيل وموروثهم الثقافي العريق، وهو منتدى للحوار ليس بين أبناء المملكة فحسب ولكن أيضاً مع الثقافات الأخرى، تتبادل فيه الرؤى والأفكار والمقترحات حيال مجمل القضايا الإنسانية، لذلك فهو منتدى مفتوح على العالم يستضيف فيه علماءه ومفكريه بكافة شرائحهم وأطيافهم الفكرية والثقافية. *** وبعد هذا الكلام من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هل هناك ما يمكن أن يُضاف أو يُقال عن مهرجان الجنادرية، بعد أن تحدث عنه من تبنى فكرة هذا المشروع العملاق فأوجز، ولكنه إيجاز وضع من خلاله النقاط على الحروف، فهو - كما يقول- منتدى للحوار مع الثقافات الأخرى، مفتوح على العالم، ويستضيف فيه علماء ومفكرين، وهو - قبل ذلك- ملتقى سنوي يجمع أبناء المملكة في بوتقة واحدة، فالمواطنون يحتفون من خلاله بتراثهم الأصيل وموروثهم الثقافي العريق. أجل: ما أروعك أيها الملك الصالح.