رؤية المشهد السوري بكامل تفاصيله وزواياه، مع ربط الأحداث والوقائع، تؤكد تنامي قوة إيران العسكرية على أرض الميدان؛ مما زاد من حدة التجييش الطائفي في سورية، وما حولها. فالمعركة هناك تدار بمعرفة قيادات الميليشيات الإيرانية، والطائفية - عراقية كانت، أو لبنانية، أو يمنية -. المقاتلون الإيرانيون وصلوا إلى سورية عبر المنافذ العراقية، بل إن التقارير الاستخباراتية، تشير إلى أن المتطوعين في مرحلة التدريب، يُنقَلون إلى معسكرات قرب مدينة «سنندج» الإيرانية الكردية، التي كانت تعرف ب»الخفاجية» - أيام الحرب العراقيةالإيرانية -؛ لتدريبهم على قتال الشوارع - لمدة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع - وانتخاب عددٍ منهم للتدريب على أعمال القنص، والقتال الأعزل، ثم يعاد تنظيم المتطوعين للقتال مع قوات الباسيج الإيرانية، التي تتضمن متطوعين للقتال في سورية بقيادة ضباط من الحرس الثوري الإيراني - إضافة - إلى قادة السرايا العراقيين، واللبنانيين، الذين يمثلون قوات حزب الله اللبناني، ويُصار إلى إيوائهم في معسكرات للجيش السوري في مراكزٍ بعيدة عن مواقع القتال بين الجيش النظامي، وقوات الجيش السوري الحر. وأبعد من ذلك، فإن حملات التجييش الفتنوي، والتحريضي على الإرهاب، الذي تمارسه إيران، وعبر أدواتها في العراق، ولبنان، جعل طهران تمتلك مركزا تقنيا متكاملا، يهدف إلى تجييش المقاتلين في سورية، وهو ما أكده رئيس حملة السكينة - التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية - المتخصصة في محاربة الأفكار المتطرفة الشيخ عبد المنعم المشوح، بأن: «إيران لديها مركز وطني متكامل، عمله الوحيد: نشر أفكار القتال عبر مواقع التواصل الاجتماعي». في المقابل، وفيما يشهد عملا سياسيا، فإن القلق في دول جوار سورية مما يجري من حرب طائفية على أراضيها، وتدخل إيران فيها بشكل مباشر، أو غير مباشر، والعمل على انتهاك سيادة دول الجوار - تارة - بالتهديد العلني الصريح - وتارة - بزعزعة الاستقرار فيها، يستدعي - كل ما سبق - فهم الأبعاد الاستراتيجية للسياسة الإيرانية في المنطقة، ومعرفة قواسم تلك الأبعاد المشتركة - سواء - كانت عقائدية، أو تاريخية. ما يجري في سورية - اليوم - يؤكد الثقل الإيراني المدعوم للنظام السوري - بكل مستوياته -. وأخطر مقامرة تلعبها إيران، هي إشعال المنطقة بالتطرف الشيعي، وحرف مسار الأحداث نحو حرب طائفية هناك؛ من أجل حصر خياراتها باستمرار حكم الطائفية في سورية، كما هو حاصل في العراق؛ ولأن السياسة، هي فن المصالح، فإن استيعاب المنطق الصحيح في العلاقات الدولية، سينبذ كل أشكال الطائفية، وسيعمل على تضييق التجييش الطائفي، والحيلولة دون زيادة حدة الخلافات الطائفية داخل سورية. فهل ستفعل إيران ذلك؟ أم ستستمر في إحداث شرخ طائفي كبير في النسيج الاجتماعي للمنطقة؟ - وعندئذ - لا يجدي الألم وحده لتداركها.