ولكم على الذكرى بقلبي عبرة والذكريات صدى السنين الحاكي في شهر ربيع الأول من العام المنصرم أفل نجم مشع في سماء العطاء والبذل والمعروف وغاب صرح شامخ من صروح البر والصلة والوطنية ومع أفوله وغيابه إلا أنه لا يزال يسكن في قلوب أحبابه. نعم لقد فارقنا أخونا الكريم خادم القرآن (أبو فهد) فوزان بن فهد الفهد -رحمه الله رحمة واسعة- وجعله في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. لقد كان رحمه الله قبل وفاته بأسابيع وتحديداً في 25 محرم على موعد مع معالي وزير الشؤون الاجتماعية من أجل رعاية حفل جائزة الفهد الذي تقيمه سنويا جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالزلفي وتم تحديد الموعد فعلاً يوم الأربعاء 24 ربيع الآخر إلا أن الله عز وجل بحكمته قضى أن يرحل إلى ربه قبل موعد حفل الجائزة فقد وافاه أجله يوم الأحد الموافق لليوم الأول من شهر ربيع الأول (وما لامرئ عما قضى الله مهرب). إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لامرئ حيلة فيما قضى الله لقد رحل أبو فهد عن هذه الدنيا فترك مكانا شاغراً إلا أن الإنسان إذا ترك وراءه ذكراً حسنا وأولاداً صالحين ينهجون نهجه ويقتفون أثره فإنه لم يمت وهذا ما نلمسه بحمد الله من أبناء الفقيد وفقهم الله مع الذكر الحسن الذي يتناقله الناس فلله الحمد. الابن ينشأ على ما كان والده إن العروق عليها تنبت الشجر قد يوجد إنسان يمشي على قدميه فهو على قيد الحياة إلا أن الناس يذمونه لسوء خلقه أو لإضراره بغيره نسأل الله السلامة والعافية، وبالمقابل يموت آخر وذكره الحسن حي فهو يذكر بخير ويترحم عليه ويدعى له وهو تحت أطباق الثرى وفرق عظيم بين هذا وذاك. ما عاش من عاش مذموماً خصائله ولم يمت من يكن بالخير مذكورا وشتان بين إنسان وإنسان آخر فقد يفرح الناس بموت بعض البشر ويبقى ذكر الميت, السيئ ذكره. ويموت آخر فيبقى ذكره الحسن على ألسنة الناس وتبقى ذكراه الخالدة في نفوسهم ونحسب أن الفقيد أبا فهد ممن حسن ذكره وطابت ذكراه. يموت قوم ولا يأسى لهم أحد وواحد موته همٌّ لأقوام كان أبو فهد رحمه الله سباقاً إلى فعل الخير وبخاصة ما يتعلق بخدمة القرآن الكريم فقد كان لجمعية التحفيظ بالزلفي نعم الداعم والمشجع، كما كان حريصاً على الإنفاق في المشروعات المفيدة للوطن والمواطنين وكأنه يطبق المقولة: المعنى الحقيقي للحياة أن تغرس أشجاراً لا تتوقع أن تجلس في ظلها) ومع فداحة الخطب بموته إلا أن في الله عزاء من كل مصيبة, وخلفا من كل هالك, ودركاً من كل فائت, تزهو الأرض ويتفتح الزهر ويفرح الناس إذا هطل الغيث ونزلت البركة, والمحسنون يفرح بهم الناس ويتناقلون مآثرهم إذا انتقلوا إلى عالم الآخرة فهم كالغيث الذي تخضر به الروابي والوهاد والسفوح والنجاد. الأرض تحيا إذا ما عاش محسنها متى يمت محسن فيها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلّ بها وإن أبى عاد في أطرافها التلف وأحسب أن أبا فهد ينطبق عليه قول الشاعر: فتى عيش في معروفه بعد موته كما كان بعد السيل مجراه مرتعاً سيبقى رحمه الله حاضراً في القلوب بآثاره الطيبة ومآثره الجليلة وسيبقى حاضراً بوجود أبناء وبنات بررة بأبيهم, وعزاؤنا حاضراً ومستقبلاً محبة الناس الصادقة له ودعاؤهم المتواصل له وإحساسهم العميق بفقده ولا شك أن محبة الناس للشخص فضل من الله تعالى, كم من الناس يعرفون أبا فهد وقد يختلفون في كثير من الأمور ولكنهم يتحدون في أمر واحد هو محبته التي تورث الدعاء له. تخالف الناس إلا في محبته كأنما بينهم في وده رحم وبعد: فالحديث عن الفقيد رحمه الله يحتاج إلى استحداث مفردات جديدة لا أعرفها تكافئ قدره وما قدمه لجمعية تحفيظ القرآن بالزلفي خاصة وما هذه السطور سوى مجرد أحاسيس ومشاعر أبت إلا أن ترى النور وحروف تختلج بها النفس انطلقت لتعبر وتفصح عن بعض ما في الضمير. نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل قبر الفقيد روضة من رياض الجنة إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك اللهم وأتوب إليك.